العولمة «غير المنضبطة»

توقعت خلال الفترة الماضية ان تكون «العولمة غير المنضبطة» مثار نقاش وبحث وتفكر من أصحاب الهم الاقتصادي من القطاعين العام والخاص في بلادنا. خابت توقعاتي بعد طول انتظار. للتوقع اكثر من سبب، الاول شخصية من طرحها والثاني مناسبة طرحها وثالثاً ما انطوت عليه من معان ورسائل.
في كلمته امام قمة العشرين شخّص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز اسباب الازمة المالية العالمية وسرعة انتشار آثارها السلبية، مركزاً على العولمة غير المنضبطة والخلل في الرقابة المالية، ونحن أو بالاحرى الفريق الاقتصادي في بلادنا من القطاعين اولى الناس بتدبر هذه الكلمة والتشخيص الثاقب للأسباب وخطر انتشار الازمات، خصوصاً أن من بينهم دعاة للعولمة يدفعون لها دفعاً وكأنها مركب النجاة من الغرق الاقتصادي، او هي صاروخ الانطلاق إلى قمم التطور، ومن بينهم من لم يفهم ماهية العولمة، فصارت مثل شبح الخوف منه يسمح بالتغاضي عن كثير من ممارسات تجارية تضر بالاقتصاد.
لا أرمي الكلام جزافاً، التنظير في اهمية وتجميل العولمة متوافر في الصحف المحلية، أما التعامل معها كبيضة ساخنة او التعذر بمتطلباتها ومحاذير قانونية يراها، فهو امر اعلمه، تخيل ان مسؤولاً تنفيذياً في جهة حكومية يتردد في تطبيق النظام لأن «العولمة مقبلة»!
بقي علينا ان نتدبر ونستكشف عناصر عدم الانضباط في العولمة، واخطار عدم الانضباطية تلك على اقتصادنا ومقدراتنا، وكيف يمكن ان تسلب منا في غمضة عين لمجرد ان البعض ركب الموجة بحسن نية، مسفهاً آراء مخالفة، او مصوراً اياها برفض للتطور واللحاق بالركب أو المركب الذي احترق جزء منه فأحرق معه الكثير من الاموال.
ومن رؤوس الحربة للعولمة غير المنضبطة مؤسسات البنك الدولي وصندوقه. هناك دول عدة علمت، بعد حرائق اصابت اقتصاداتها، خطره، فابتعدت عنه وعن استشاراته ونصائحه المغلفة بالقروض الخطرة، آخرها اندونيسيا التي رفضت قروضاً «على رغم الأزمة المالية» بعدما اعتبرت مما مر باقتصادها وتركيع لها في التسعينات. واقتصادنا ليس في حاجة للقروض لكن الخطر من الاستشارات وتوجيه الدفة… ومناهج مدرسة البنك الدولي التي يؤمن بها البعض كأنها السبيل الوحيد.
ها هو رئيس صندوق النقد الدولي يلف البلدان «مبشراً» بطول أمد الأزمة العالمية، وأن الاسوأ لم يره العالم بعد، ولم يتحدث احد عن دور للصندوق ولمؤسساته الشقيقة في الأزمة، مثلما لم يبدأ الحديث عن محاكمة لأميركا على ما فعلت بالعالم؟
داخلياً من واجبنا ان نفتح باب الحوار بكل مسؤولية لنقاش سياسات اقتصادية واستثمارية داخلية، لنرى ونطمئن إلى انضباطيتها وعدم وقوعها في فخ العولمة غير المنضبطة، أليس من بديهيات الواجب أن نتدبر ونعمل بكلمات قائد البلاد حفظه الله؟!

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.