مزايدات على الدماء

التظاهرات الشعبية في واقع العرب لا تختلف كثيراً عن القمم السياسية، الأولى هي ذروة جهد البسطاء من مواطنين تتحشرج في صدورهم ألوان القهر والألم، وهم يرون هذا الفتك الإسرائيلي بأهل غزة، والثانية هي أقصى ما يستطيع عمله بعض أهل السياسة، وفي حين يتفق المتظاهرون بالهتافات وإحراق الأعلام والتنديد الأكثر تحديداً، تصدر القمم بيانات أقرب الى العمومية تكشف حجم الخلاف لا الاتفاق. أما على أرض الواقع – بالنسبة إلى الضحية المسفوك دمه والمهدم منزله – فالنتيجة واحدة.
ويقال لك عن قضية فلسطين إنها قضية معقدة أو القضية أكبر مما تتصور، وأراها قضية إنسان بالدرجة الأولى وحقوقه المسلوبة، ولا يمكن استعادة هذه الحقوق على جثته وأشلاء أسرته. السياسة فن وقدرات، إذا لم تستطع إبعاد الأذى وتفويت الفرص على الوحش الإسرائيلي من الفتك بالضعفاء فلست من السياسة في شيء.
هذا لا يعني الاكتـــفاء برجم «حـــماس» مع شراكتها في مسؤولية ما يحدث، فالحق أنه تم حصار حقها الانتخابي وهو حق مكتسب بصناديق الاقتراع… حصلت علـــيه بجـــدارة أعلـــنت دولياً. وتم هـــذا مع بزوغ شـــمس الدعـــوة الأميركية لتعــــميم الديمـــوقراطية في المنـــطقة، فكانت الولايات المتحـــدة وبريطانيا العائق الأكبر لممارسة هذا الحق دعماً لإســــرائيل، وبدأ الحصار باتفاق فلسطيني… عباسي… إسرائيلي، تشكّلت معه مزيد من العقد عمقت من تدخلات أكثر من انتهازي إقليمي، لنصل إلى حال هي من أسوأ الأحوال… الشرخ «الفلسطيني – الفلسطيني» الذي حدث بعد اتفاق أوسلو يزداد والبطل هو نفسه.
وإذا كان هناك من يهـــنأ له الضـــحك والقهقهة والحبور بالنتائج فهو الســــيد هنري كيســـنجر، الحصاد الذي يدمي القلوب العربية… الآن، كان هو الحصان الأسود في حرثه وزرعه ببـــطء وهدوء ليحصد محصوله الوفير أبناء عمومته في الدولة الصهيونية، ولم تكن له إمكانية النجاح لولا خــــطأ عربي تاريخـــي جسيم، وحتى لا يتكرر الخطأ لا يصح هذا الهجوم «المبرمج» على مصر، والمزايدة عليها. نعم، هناك أخطاء في السياسة المصرية الخارجية، خصوصاً في أسلوب التعاطي مع الأفعى الإسرائيلية، إذ فعل الزمن فعله، وأصبحت من حيث لا تعلم طرفاً… يظهر سذاجة سياسية، إلا أن هذه الأخطاء السياسية يمكن إصلاحها بإعادة النظر الداخلي المصري فيها. لم تكن مصر عربياً في تاريخها في وضع مثل هذا، وهو أيضاً يستلزم التحمل الحقيقي للمسؤوليات بعيداً من الشعارات الطنانة من الأطراف الفلسطينية… خلافاتها الآن أصل العلة. ولن تحجب مسؤولية سلطة عباس عما يحدث بتصريحاته المنددة.
ليس من مصلحة القضية الفلسطينية ولا بعض الانتهازيين العرب المزايدة على دور تاريخي لمصر، والذي تقوم به بعض وسائل إعلام، في هذا الصدد، يصب في مزرعة إسرائيل ويزيد شجرتها الخبيثة ارتواء.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

4 تعليقات على مزايدات على الدماء

  1. سليمان الذويخ كتب:

    اذا عرف الفلسطيني مصلحته اولا..
    وترك المزايدات على نفسه ووطنه
    بدأنا نشخص المشكله جذريا
    اما من يضع يده في ايدي المزايدين ويتكاتف معهم في الدبكة والمهزلة فهذا لم يعرف نفسه اصلا حتى يعرف مصلحته
    هنية تابع لطهران ولحزب الله ومن يدور في فلكهما..
    وعبباس حاطه بدماغه بحكم انه جاء عن طريق اقتراع الشعب وهو مالا يرغبه عباس
    المشكله التي تدمي القلوب ان من يدفع الثمن هو الشعب ولا احد سوى الشعب!
    سؤال تمنيت لو وصل الى المتعاطفين
    الم تروا ان الجميع شجب واستنكر الا طهرااااان !!
    الا يكفي هذا دليلا على ان مطارد السراب لا يأت الا بالخراب !!

  2. مواطن كتب:

    مساء الخير
    والله أن أشوف ان أساس المشكلة فلسطينية فلسطينية بين حماس وفتح وهم كلو احد صار يحفر للثاني ونسوا عدوهم الاول أسرائيل وصار بينهم قتل وقتيل وهذا ماينبغي صح حماس فازت بالانتخابات لكن لم تمكن من الحكم والسلطة لان أمريكا والغرب وأسرائيل لا تريد حماس وعباس شريك في اللي يحصل الان وأنا اعتبره رئيس غير نزيه وغير حيادي المفروض ان يتعامل بنظرة واحده مع حماس وفتح لانه رئيس الدولة والا فليستقيل واعتقد ان هالحرب الدائرة الان بتزيد من الخلاف الداخلي الفلسطيني وماظنها بتتوقف الا بعد تولي أوباما منصبه لان بوش الان ماله كلمة مسموعه وهو عبارة عن حارس للبيت الابيض هالايام القادمة حتي دخول اوباما البيت الابيض .

    بالنسبة لمصر أظن أن مرض الرئيس حسني مبارك وكبر سنه وأنسحابه من الشأن العربي قليلا أدى الى ضعف الدور المصري أضف الى ذلك انه من ترك عمرو موسي الخارجية لم يملاء احد فراغه هناك .. انا اشوف ان رجوع عمرو موسي للخارجية المصرية سيعيد الحيوية والنشاط للدور المصري العربي والاقليمي … ومصر دورها مهم في الامه العربية ومن ينكر هذا جاهل وربما دورها اهم من دور سوريا

  3. عبد الله الشيخ كتب:

    تشخيص جيد للواقع العربي على المستوى الرسمي والشعبي

    نواكشوط ـ موريتانيا

  4. مطلع كتب:

    حين تحرك كفار مكة لتأديب المسلمين بزعمهم في غزوة بدر ، اتخذوا من اعتراض قافلة أبي سفيان ذريعة لذلك العدوان ، وهذا حال الكفار دائماً ، وإن من البلية تصديقهم فيما يدّعون ، ومن الانهزامية تحميل المظلومين تبعات العدوان لإرغامهم على الانصياع لأمر واقع ، لقد حاولت اسرائيل والولايات الامريكية وما يتبعها من دول غربية وعربية ان تسقط حكومة حماس بعد فوزها في الانتخابات ولم تكن في ذالك الوقت في صراع مع الفتحاوين او تواصل مع “الصفوين”!
    ان مايحدث كسر لاي نوع من انواع المقاومة وقد علمتنا السيرة النبوية والتجارب التأريخية أن العدو لا يرضخ إلاّ بالمقاومة ، و لا مقاومة بدون تضحيات ، فلنحذر من الخذلان مهما كان الاختلاف.

التعليقات مغلقة.