تعاسة العربي

أتعس القضايا حالاً تلك القضية التي يتفق عليها المحامي والخصم من دون اتفاق، فيطول أمد الظلم بالضحية متلوناً عمقاً وألماً، والقضية الفلسطينية في وجه من وجوهها عانت وتعاني من هذا، فهناك مَن هو مستفيد. وعندما يقول احد قادة «حماس» بعد الغارات والهجوم الصهيوني الوحشي، إنهم صامدون حتى لو دمرت غزة! فهو لا يعطي قيمة للإنسان الضعيف المسلوب الارادة في غزة، الذي يزايد عليه هو وخصومه السياسيون. والاستنتاج الوحيد هو اصرارٌ على التمسك بكرسي أياً يكن الثمن، وفي مقابل عدوٍ شرس متوحش مثل الآلة العسكرية الإسرائيلية، ومن خلفها قوة سياسية غربية داعمة، تتبارز الطبقة السياسية الفلسطينية الممسكة حالياً بحبال السلطة الهشّة، في توفير الفرصة بعد الفرصة لعدو قيل سابقاً انه عدو مشترك، واتضح لاحقاً بين الساسة الفلسطينيين انفسهم خلاف ذلك.
ومن مسبّبات التعاسة للمواطن العربي، أن يطالع صورة ذات مغزى وتعبير، مثل صورة تناقلتها وكالات الأنباء، ونشرتها «الحياة» على صفحتها الأولى اول هذا الأسبوع، قبل العدوان الاسرائيلي بساعات، يظهر فيها وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط وهو «يحضن» بيده راحة يد وزيرة خارجية العدو الإسرائيلي، ممسكاً إياها لئلا تتعثر في «الدرج» السياسي ربما، في حين توحي قسمات الوجوه بشعور أو مشاعر تتجاوز الديبلوماسية، لتدخل في دائرة صفاء مشترك.
وقسوة الألم التي يعاني منها الفلسطيني البسيط في غزة وما حولها، في كونه يرى قضيته واستقرار معيشته مع أسرته، ورقة سياسية يزايد عليها من يُفترض بهم الدفاع عنه، ويزيد القسوة أنه مع غيره من العرب البسطاء يرون كيف انهار الصمود «السياسي» للدول العربية المعنية قبل غيرها بالقضية. فــفي حين تـــحولت أكــــبر دولة عربية إلى وســيط ضــعيف، تُستــخدم متى ما أريد ذلك، تبادر اخرى الى طرح المفاوضات المباشرة في هذا التوقيت. العامل المشترك هو الإمساك والتشبث برقبة ذلك المواطن الضعيف خنقاً، بدعوى الحفاظ على وصول الهواء إلى رئتيه.
والخلاصة ان الفشل العسكري العربي القديم، تجاوز إلى فشل سياسي مركّب، ساهمت فيه الطبقة السياسية الفلسطينية بالحصة الأكبر. وإذا كان الساسة الفلسطينيون تمتعوا كثيراً ببيانات استنكار «صمت العرب»، فالأولى ألا يشارك بعضهم في قتل بعض، ويتحولوا إلى وكلاء لغيرهم على حساب المساكين ممن لا حول لهم ولا قوة، موفرين بهذا أوسع الساحات وأكثرها ملاءمة لمزيد من الضحايا والخراب، بفعل التعطش الاسرائيلي للدماء، ومساهمين أيضاً في صرف الأنظار عمن يركض لاهثاً لتحقيق تسويات في حين يدوّي صوته مطالباً بالصمود.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليقان على تعاسة العربي

  1. م/يوسف كتب:

    يا أبا أحمد ماتريد أن يقول هنية؟

    هل تريده أن يرفع الراية البيضاء لقد قال حتى لو علقنا على المشانق اي ضح بنفسه كما ضحى المقاويمون بأولادهم وأنفسهم أين أحمد ياسن والرنتيسي وأسماعيل ابو شنب ووأولاد محمود الزهار وغيرهم من المقاومون الفلسطنيون بمختلف أتجاهاتهم.

    ويكفي أن مسؤل حماس مسوؤل دولة لانه أنتخب من شعبه أنخاباً ديقرطيا كما يحب الغرب.

    لاتسقني ماء الحياة بذلة*** وأسقني كأس الموت بعزة

  2. سليمان الذويخ كتب:

    الله المستعان
    قضية فلسطين ولدت قضية وعاشت قضية وستموت وهي قضية
    ومن بيده ان يأدها هو المستفيد الأول من بقاءها قضية
    المزايدات عليها نشأت منذ ان اتفق العرب على ان تسمى مولودتهم البكر (قضية)
    سموها قضية وفي رواية كضية وفي بعض الألفاظ أضية ولا مشاحة في اللفظ.

    القضية هي البقرة الحلوب للكثير من المزايدين
    وهي الأرض اليباب للفلسطينيين البسطاء الذين لا شأن لهم بقيادة بل يعيشون الكفاف

    بقرة حلوب؟!! نعم هي كذلك لفلان وعلان ممن شيدوا الفنادق 5 نجوم وهم لم يستمروا في الكرسي اكثر من عام او عام ونصف …. فمن اين له 35 مليون دولار ليبني فندقا؟!

    بقرة حلوب اذا كانت المعونات تتدفق حال سماع نبأ عن ازمة تمس الشعب الفلسطيني ولكننا لا نسمع بعدها الا انين الشعب الذي لم يفلح ساعي بريد المعونات ولم يهتد الى مكانه سبيلا!!! لم نسمع احدا من الشعب شكر لإخوته معونة او وقفة بل سمعنا تجشوء وشبع الكثير من القيادات التي كانت تقول لساعي بريد المعونات ( وين رايح ولك تع هون )
    اذا غزة ومزايدات هنية وغيره ستبقى وسيبقى مشكلة اخرى وهي تعاطف الكثيرين مع نبرة الخطاب الثوري الخمسيني الستيني البائد .
    يصفون من يحكم العقل والمنطق بالجبان المتخاذل ويدعون الى المقاومة ويحثون العزّل على خوض غمار معارك غير متكافئة … وبذات الوقت يقفون خلف الصفوف ويتراقصون على اشلاء الضحايا من الأبرياء .
    لو استمريت في الكتابة فسيطول الحديث
    ولكن الصمت حكمة ولا عزاء للضعفاء ما بقي حالبي البقرة احياء !

التعليقات مغلقة.