الزرافات والدجاج

بحثتُ في تذمر صديقي الظريف من سلوكيات «حشريين وحشريات» أمام وحول آلات الصرف، فوجدت أن للأمر أسباباً وجذوراً اجتماعية، وربما أخرى اقتصادية… تسألني كيف؟ هنا محاولة للإجابة.
تعوّد هؤلاء «المطاطون والبصّاصات» منذ نعومة الأظفار على التجمع حول شاشة التلفزيون، وهم ما زالوا يعتقدون أن كل شاشة هي شاشة تلفزيون، لا بد من أن «يلتمُّوا» حولها لمتابعة البرامج، للكل فيها «فرض عين»، وكأن بعضهم ينتظر أغنية وطنية تبث من شاشة آلة الصرف أو خبراً عاجلاً باللون الأحمر يشهّر بتاجر محتكر. يضاف إلى هذا أن فئة منهم لم تكن تمتلك تلفزيوناً في المنزل، إما لسبب اقتصادي أو اجتماعي، فكانوا في صغرهم يذهبون إلى الجيران لمشاهدة الشاشة السحرية. الرابط هنا هو التجمع والمشاهدة وربما النقاش، تحوّل هذا إلى قناعة وعادة في النفوس ليستقر في «اللاوعي». لذا لا تندهش حين يرنّ هاتفك الجوال فتبرق بعض العيون محاولة الوصول إلى الشاشة الصغيرة. إنها عادة متأصلة تكشف حتى الطريقة التي وُلِد فيها الشخص أو «الشخصة».
أما السبب الاقتصادي – المتوقع – فهو أن الناس في مجتمعنا يؤمنون بمقولة «الموت مع الجماعة رحمة»، وبحكم أن أحوالهم المادية لا تسر في الغالب، ويعانون من الأقساط المنهكة والدخل المتناقص مع ارتفاع الأسعار، تظهر هذه التفاصيل في واقع حسابك المصرفي على الشاشة، من دون سؤال و «نشدة» أو بحث وتقصٍّ. الرسالة تصل مختصرة وبلمحة، هكذا «رصيدك المتبقي هو..؟»، وهم – عودة إلى المقولة السابقة – يريدون التأكد من أنهم وإياك في «الهوا سوا»، ولا مانع لديهم من استغلال خجلك وحيائك لاختطاف نظرة وربما نظرات، هذا يطمئن قلوبهم مهدئاً من روعاتها، حتى إن بعضهم لديه هواية جمع إيصالات آلات الصرف المهملة، كأنه مدقق حسابات!
ثم إنهم يعلمون – مثلما تعلم – أن «السكبة والرزة» وطول الغترة إلى الركبة مهما كانت مشبعة بالنشا، لا تعني شيئاً، ربما لا يخفى عليهم أن صاحبها قد لا ينام من أرق أقساط سيارته اللامعة نهاية الشهر مع ضرورة التأكد…!
أنت بالنسبة إليهم جزء من الجسد الواحد إلا عندما تتألم. غاية المُنى «للمشافيح والمشفوحات» – وهم تيار «فكري»، لأنهم يفكّرون فيك كثيراً! – غايتهم معرفة خصوصيات الآخرين، فإذا كان متاحاً لهم الحصول على «الوثيقة» والزبدة كاملة الدسم من خلال لمحة شاشة آلة الصرف، فَلِمَ لا يمطُّون رقابهم مثل زرافات و «يتوايقون أو يقأقئون» مثل دجاج تحت أشجار الطفرة؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليقان على الزرافات والدجاج

  1. طارق حسني محمد حسين كتب:

    استاذي الحبيب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : قد لاتصدق كاتبنا القدير ان احدهم ولاادري هل هو تخيل ام تراى له او تصور انه شاهد في احدى شاشات الصراف خبر يقول انه صدر بيان بصرف راتب شهر اضافي للموظفين واجازة اسبوع بمناسبة لااتذكرها ..الله يستر من اخرة هذه التخيلات شكرا استاذي .

  2. ابو عروب كتب:

    مساء الخير ابو احمد

    ياليتها على الصرافات وبس على قولة الاولوين ياحبنا ياللموايق مفردها يويق

    سياره واقفه نويق فيها واحد متقضى من اي سوق نويق في عربيته وانت ماشى

    هذا يسمونها شفاحه يابو احمد

    شكرا لك

التعليقات مغلقة.