سوار الفقر

قبل ثلاث سنوات نشرت صحيفة «الرياض» تحقيقاً بالصور عن أوضاع الفقر الموجع في الليث، وفيها مطالبات بعض الأهالي هناك بإفطار شهر رمضان. الجمعة الماضية نشرت الصحيفة نفسها أيضاً تحقيقاً جديداً عن الفقر نفسه في المحافظة وقراها، لأول وهلة قد يعتقد القارئ أن التحقيق مكرر، وأنا من القراء لكني على علم ببعض الأوضاع هناك، ومتأكد أن ما ورد طازج… وقائم. النتيجة أنه خلال ثلاث ســـنوات لم يتغير شيء يذكر، الفقراء يطالبون والجمعيات الخيرية كذلك، والأمر ليس استثماراً لشهر رمضان المبارك بما يحفل به من أعمال الخير فقط، بل هي أوضاع مستمرة يدفع الشهر الكريم إلى إبرازها مرة أخرى لعل وعسى.
القضية ليست في سلال الإفطار الرمضانية من تلك التي تصل إلى إندونيسيا وجنوب أفريقيا وتتقطع في الوصول إلى الليث وغيره، ولا المعونات المالية الموقتة على أهمية ذلك للفقراء، بل في علاج هذا الفقر من جذوره. وخلال السنوات الثلاث زار أكثر من مسؤول من جهات معنية، وبخاصة من وزارة الشؤون الاجتماعية وجمعيات أو هيئات خيرية تلك المنطقة، والغالبية صدموا للواقع المشاهد. كتبت وقتها مقالاً بعنوان «مفاجأة المفاجأة»، لكن هذه الصدمة لم تحقق تغييراً ملموساً دائماً على أرض الواقع.
إذا نظرت إلى التعليم في محافظة الليث تكتشف عدم توافر مدارس ثانوية للذكور في مناطق مع توافرها للإناث والعكس صحيح، مع تباعد مسافات ووعورة طرق، وكأن هناك قرية للبنات وأخرى للذكور! وأهمية التعليم في مكافحة الجهل والفقر معروفة للصغير والكبير. أما إذا نظرت إلى أحوال الجمعيات الخيرية هناك فيمكنك قراءة مناشداتها على الصحف بما فيها ما حفل به التحقيق المشار إليه، مع أني لست متفائلاً بجهود الجمعيات الجامد بسبب أسلوب وزارة الشؤون الاجتماعية في الإشراف على الجمعيات الخيرية، ووضعها دائماً المسؤولية على جمعيات عمومية ومجالس إدارة رغم أنها من يمنح الترخيص. ولو أرادت الوزارة أن تبرئ ذمتها لفحصت حسابات الجمعيات البنكية وحقيقة صرف زكاة المال في وقتها للمحتاجين بدلاً من استمرار إيداعها في البنوك. أما الطرق، وهي شريان الحياة والحضارة، فلها قصة وعرة في الليث، إذ أسهم تأخر التنفيذ وبطؤه في بقاء مناطق منها معزولة بأوضاعها الفقيرة.
ومن الليث إلى تهامة عسير، إذ نشرت صحيفة «الاقتصادية» في صفحتها الأخيرة يوم الخميس صورة مؤثرة يظهر أنها من «محايل»، لرجل مسن في حالة معيشية لا تليق بإنسان، إذ أجبرته إعاقة في أطراف يديه ورجليه بالحركة زحفاً على صدره بين الصخور والأشواك لسنوات طوال، يعيش الرجل المسن وحيداً في غرفة قذرة مشرعة الأبواب، وكأنه لا يوجد في المنطقة جهات معنية ومكلفة بأحوال المواطنين الاجتماعية.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليقان على سوار الفقر

  1. طارق حسني محمد حسين كتب:

    استاذي الحبيب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
    الله يجعل ماكتبت في موازين حسناتك يابو احمد والله ان اوضاع هذه المنطقة من سئ الى اسوء رغم كمية
    الزيارات الميدانية للعديد من المسؤلين والجولات التفقدية ولم يتغير ائ شئ في الوضع حالهم يدمي القلب
    والرجاء كل الرجاء ان ينظر المسؤلين لهذه الاوضاع التي قد تنشاء من خلالها بؤر مختلفة الوانها فالبئية خصبة
    والى ابعد مما تتصور استاذنا ابو احمد وحتى قبل ان تقع الفأس في الرأس .
    شكرا استاذي الحبيب

  2. سليمان الذويخ كتب:

    فتح حسابات الجمعيات الخيرية اصبح مطلبا ملحا
    خاصة بعد قضية الاستثمار في الأسهم ( الشهيرة ) !
    اسلوب التوزيع ايضا يفترض ان يضبط بضوابط معينة لعل اهمها :
    – الصرف للسعوديين في المقام الأول ووفق بطاقة الأحوال لولي امر الاسرة .
    – الربط المرجعي مع الجهة المشرفة على الجمعيات الخيرية ( حتى لا يتنطط متنطط من جمعية الى اخرى ).
    – ان يكون موظفي الجمعيات من المتفرغين ، لا نريد مدرسا ومؤذنا واماما وسبع صنايع والحظ طايع !
    نريد متفرغا ومسؤولا بشكل مباشر عن اية عملية صرف يقوم بها
    الحديث ذو شجون ولكن الشق بدأ يكبر على الراقع اخي العزيز !
    شكرا لك

التعليقات مغلقة.