مواطن العام بعد 17 عاماً

كان السؤال يقول هل أصبح السكوت عن الخطأ ظاهرة في مجتمعنا؟ لتنشر أخبار صحافية فيها إجابة أوضحت أسباب تنامي ظاهرة الصمت على الأخطاء المتعمدة وغير المتعمدة، أسباب قوية تمثل عقبة أمام الإصلاح وحماية النزاهة وتفاعل الفرد مع مجتمعه ووطنه، بل تفتح الباب واسعاً لمزيد من الفساد واستغلال النفوذ، وفي أضعف الأحوال ترسخ الأنانية والسلبية.
كان دافع السؤال صمت مدرسين أمام تصرفات مدير المدرسة الذي أجبر طلاباً صغاراً على تقبيل يده الكريمة بعد كل طابور صباحي. أسباب صمتهم يمكن تخمينها. نأخذها مؤشراً يقودنا إلى صمت أكبر عن أمور أكبر… فيها إما إجهاض لأحلام تهمنا أو غمط لحقوق وظلم يطاول فئات منا.
الركون إلى الصمت قد يعني السلامة الفردية، و «المشي جنب الساس»، لكنه لن يعني سلامة المجتمع لأنه يقوض المبادرة للفعل والتفاعل الإيجابي لا الكيدي، والأخير هو الاستثناء مع استخدامه أحياناً كسيف رادع لكل من يسول له لسانه أو «معروضه» المبادرة.
أمامي أخبار تشير إلى أن أجهزة رسمية تدفع الناس دفعاً للصمت، فالأصل لديها ألا يتفاعلوا إيجابياً، لن تحميهم بل قد تصدر عليهم أحكاماً مثلما حصل لمواطن تفاعل مع أخبار صحافية عن خطف طفلين وشاهد من ظن أنهما… هما فبلغ وظهر أن البلاغ خاطئ، رفع عليه المتضرر قضية ليحكم عليه قاض في جدة بالسجن شهراً وغرامة خمسة آلاف ريال! مع أن كثيرين من أصحاب الحقوق يدفعون دفعاً للتصالح. رسالة الحكم القضائي تقول من دون مواربة لا تتفاعلوا مع ما يحدث في مجتمعكم وهذا يتعارض مع مبدأ المسؤولية الأمنية للفرد.
قضية أكبر وأطول عمراً عاشها المواطن عبدالله مجددي، وهو يبحث عن حق له، إذ نشرت «الوطن» انه قبل 23 عاماً رفع مجددي قضية ضد ناظر وقف يتهمه فيها باستغلال الوقف لمصلحته الشخصية وتقديم معلومات خاطئة للجهات الرسمية بما فيها استخدام اسم شخص متوفى، ولم يحصل مجددي «وهو مستفيد من الوقف» على شيء يذكر بل لاحقاً اتهمته لجنة تحقيق بإشغال السلطات وتقديم دعاوى كيدية ضد مسؤولين ليرفع عليه المدعي العام دعوى فيهرب من الضغوط إلى مدينة أخرى تاركاً أعماله ومدينته. بعد 17 عاماً من المعاناة بخسائرها المادية والمعنوية صدر حكم قضائي يثبت أن كلامه صحيح، ناظر الوقف كان يستغل الوقف ويؤجره بأقل من سعر السوق ولمدد طويلة (20 عاماً)! لم يذكر الحكم القضائي الذي ذكرته الصحيفة أي إجراء ضد من تسبب بالتعتيم على الحقيقة كل هذه المدة. والمعنى – جواباً على السؤال أعلاه – أن الثمن باهظ سواء عند البحث عن حقك أم عند مساعدة آخرين لنيل حقوقهم. هذه البيئة الطاردة والمهددة هي ما يجب البدء في إصلاحها.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

3 تعليقات على مواطن العام بعد 17 عاماً

  1. طارق حسني محمد حسين كتب:

    استاذي الحبيب ابواحمد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
    مهما يحدث ومهما اتيحت الفرص عندي يقين تام ان الحق سوف يبحر استاذي ويجدف ويصارع الى ان يصل
    الى الشاطئ . لكن المصيبة استاذي ان هناك اقلام من ذهب تأتي للجهات الرقابية بصيد ثمين وغالي يشترى في زمن مضى بالملايين والان لااحد يلتفت له .
    استاذي بيني وبينك سؤال بس ( هل هي .. ) والله اني خجلان اسأل السؤال .
    المهم استاذي ربي يحفظك ويعطينا شوية من طولة البال اللي وهبكم اياها ربنا .اللهم صلي وسلم على النبي الف صلاة .
    شكرا استاذنا.

  2. الفيـــفي كتب:

    هذه البيئة الطاردة والمهددة هي ما يجب البدء في إصلاحها.

    بالضبط فهي بيئة طاردة لكل معاني الاصلاح و التطور و تكرس مقالة (لا توهق نفسك و خلك ساكت أحسن لك).

    أكبر مشكلة تواجهنا في هذا البلد (وطني) هي اذا كان لي حق فأين أذهب, مثلا اذا كنت قد استخرجت سيارة جديدة و أكلت لي حفرة في الشارع و كسرت علي السيارة فمن أشكية و الى من و من سينصفني من هذا المقاول اللي ما يخاف ربة؟!! في الأخير أضطر أن أبلعها على قهر متراكم.

    قس على ذلك المستشفيات و بلاويها الادارات الحكومية و مماطلاتهم و صمت القهر الذي يعتري المواطن حين مراجعتهم و التعامل معهم.

    ربما الصمت أصبح بدافع القهر أو بدافع الخوف أو اليأس و هو أسوأ أنواع الصمت. و القاسم المشترك أو الصورة العامة هي (رماد فوق جمر القهر).

    الفيفي

  3. سليمان الذويخ كتب:

    الصمت على الخطأ ياحبيبنا مرجعه سبب واحد وهو ان كل واحد ماسك على الآخر شيء
    فـــ أسكت عني وأسكت عنك !
    وهذا هو اصل الخطأ و الخطأ زاتوه *_-

التعليقات مغلقة.