“الخشم الفضائي”

قبل سنوات بثت قناة فضائية فرنسية موجهة للشرق الأوسط وأفريقيا فيلما فاضحا، قامت الدنيا بسببه لدينا وتم إيقاف بثها من قبل مؤسسة عربسات، لاحقا اعتذرت القناة أو المؤسسة التي تديرها وأعلن أن ذلك كان خطأً فنيا، وهو أمر يمكن تصديقه لأنه لم يتكرر.
ومنذ أكثر من عقد من الزمان ونحن نقرأ البحوث والتحذيرات عن الغزو الثقافي، كان المنظرون يشيرون إلى أن هذا الغزو سيأتي من الغرب، وقد وصل الآن ولكن بأيد عربية تحت مبرر “البزنس”، انتظرناه من الغرب وصدمنا به أبناء جلدتنا.
أنه لمن المثير للسخرية أن الفضائيين العرب وأقصد بهم المستثمرين في الأعلام الفضائي من العرب والسعوديين خصوصا لم يستطيعوا ابتكار فكرة جديدة واحدة، قام معظم هؤلاء بنسخ كل أفكار برامجهم وقنواتهم من الأعلام الغربي، إما بالتقليد أو شراء الحقوق، وحرصوا كل الحرص على اختيار أسوأ البرامج فقد كان ولازال المحدد الرئيس وقد يكون الوحيد هو تحقيق الأرباح المادية من دون اعتبار لأي خدش وانتهاك للقيم والأخلاق، وكأنهم نزعوا جلودهم التي كنا نعتقد أنها مثل جلودنا، يتم هذا التكالب على تحقيق أكبر عائد مادي من مثل هذه البرامج وتحديدا من قنوات برأس مال سعودي أو بمشاركته في الوقت الذي تتعرض فيه بلادهم لأكبر حملة إعلامية عالميا وإقليميا، ترك هؤلاء العمل الجاد لأنه صعب والمردود المادي منه ضعيف وانصرفوا إلى العمل السهل شراء الحقوق ومخاطبة الغرائز وفتح الباب للاتصالات، العائد هنا ضخم والتكاليف بسيطة، ولماذا لا تكون بسيطة والعاملون من الهواة أو طالبي الشهرة وبعض المراهقين، والرعاة من المعلنين يقفون صفا في الانتظار.
نعم أنه لمن المثير للسخرية والخجل أن تصدر أغلب هذه البرامج من قنوات يشارك رأس المال السعودي بملكيتها إن لم يكن يملكها بالكامل، انجرفوا لما بدأت به بعض القنوات اللبنانية وقاموا بترسيخه وزيادة مداه، غير عابئين بما يمكن أن يثيره ذلك وبما تتعرض له بلادهم داخليا وخارجيا، وأنا هنا لا يمكن أن أخاطب حس الوطنية في رجال أعمال الفضاء المنتمين لهذه البلاد، فقد كفاني أحدهم مؤنة ذلك عندما قال في تصريح صحفي “أن الوطنية لا علاقة لها بالإعلام والتجارة”، وأنا أعلم ذلك منذ زمن طويل ومن خلال النتائج، ومن خلال ما بث ويبث، ومن خلال التوظيف، رغم أن هذه المسكينة المأكولة المذمومة والمسماة وطنية استخدمت في التجارة الإعلام وحصل كثر من جرائها وبسببها على الدعم والإعانات وإعطاء الأولوية.
وقبل سنوات طالبت في مقال نشر قبل اجتماع لوزراء الإعلام العرب بميثاق شرف إعلامي، نتيجة للتراشق الإعلامي الفضائي الذي كانت في ذروته وقتها، وهنا أطالب بميثاق شرف أخلاقي إعلامي، وأتساءل أين وزراء الإعلام العرب ومعظم أقمار البث تحت سلطاتهم بصورة أو بأخرى!؟، أليسوا مسؤولين عن حماية مجتمعاتهم!؟.
ولابد أن نعترف شئنا أم أبينا أن تلك القنوات الفضائية حتى ولو كانت تتبع القطاع الخاص، محسوبة علينا وتؤثر أيضا على صورتنا مثلما تؤثر على أخلاقنا، وتقدم انطباعا غير حقيقي عنا، بل انها تجعلنا بصورتها المادية البحتة وغير المسؤولة الحاضرة نكبر هذا الغرب الذي لديه قوانين وأنظمة واضحة!،
لابد أن نعترف شئنا أم أبينا أن مثل هذه القنوات هي “خشمنا” الفضائي، وصمتنا عنها يعني قبول بما تبثه وهو يخالف ما نعلن عنه كل يوم.
وأعتقد بل وأطالب أصحاب القرار بالتدخل بما يملكونه من حضور ومكانة لإيقاف مثل هذه البرامج، إن خطورتها متشعبة وهي تغذي الإرهاب مثلما تغذي التهتك والخنا.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.