نظارة سوداء … وقربة مشقوقة

يجتهد الكاتب في رصد مؤشرات، يرى فيها بوادر أخطار، ينبه حذراً من خسائر وتراكمات تحدثها، وإذا وضعنا «التطنيش» الذي تُقَابل به تلك المحاولات جانباً، أنا مثل آخرين بين فكي رحى، فئتين من القراء، فئة تقول انزع النظارة السوداء، وكفاكم مبالغة انظروا للجانب المشرق من حياتنا، ولم يتبقَ عليهم سوى تذكيرنا بأن «السماء والأنجم ملكنا»- على اعتبار أن الأراضي نفذت، ولم يتبقَ منها شيء للكشتة فكيف بالسكن- وفئة أخرى على الطرف النقيض تقول: «الشق أكبر من الرقعة»، وأصواتكم لا صدى لها، انصرفوا لشؤونكم. صحيح ان هاتين الفئتين لا تشكلان غالبية القراء حتى اللحظة، إلا أن لهم حضوراً لافتاً، الأولى تتناقص، والثانية تتزايد. وأتوقف عند الأولى لخطورة هذه المرحلة.
الكاتب مثل فرد من الكشافة أو طلائعها يحاول سبر أغوار الأفق حتى لا تقع القافلة في فخ منصوب، أو جرف سحيق، ربما يكون أدلاء القافلة انشغلوا بالحديث، أو اشغلهم بعض من حولهم عن رؤية الطريق، وما يخفي من أخطار محتملة، ومثلما يزعم البعض قدرة على قراءة ما بين السطور، يزعم الكتاب – أو بعضهم- قدرة على قراءة المؤشرات، والعبرة بالسجل المحفوظ، لكن أصحابنا من المتخصصين بنزع النظارات السوداء عن العيون، لا يلتفتون لذلك السجل، غرقوا في الأمل وصنعوا منه حقيقة يلمسونها، لكنه يبقى أمل يحتاج لتحقيق، وهناك فرق بين الأمل والوهم به، الأمل هو ما يدفع للكتابة والحرص والتطلع لأفق أفضل، أما الوهم به دون معرفة حالته الصحية، فهو ما يحض على التراخي والدعة، ومن ثمار الأخير ما نقذف به أحياناً أو ننصح إن شئت، بـ«عدم المبالغة»، والذين لا يرون سوى محيطهم الصغير ويقيسون عليه «على افتراض انه ايجابي» لا تتشكل لديهم حقيقة الرؤية، لا أقول قصر نظر بقدر ما هو حدود اهتمام وترتيب أولويات، ومن السجل نأخذ قضايا أصبح الجميع معترفاً بخطورتها، الذي يتذكر طوفان المسلسلات المصرية التلفزيونية في زمن مضى، لا بد أن يتذكر كيف كان السعوديون يندهشون مما يدور فيها عن حاجة للسكن و«الشقة»، والبطالة وأصحاب شهادات لا يجدون عملاً، وأنظر إلى أحوالنا اليوم، وازعم أنني في ما كتبت منذ سنوات طويلة حذرت من الوصول إلى الحالة المصرية، مع فروقات في الدخل وعدد السكان، وقوبلت بالسخرية و«المبالغة»، وقتها كانت لدي مؤشراتي.
والكاتب مثلما يجاهد «المطنشين» الذين تجمعهم مع أصحاب نزع النظارات السوداء حدود اهتمام أو أولويات، يجاهد أيضاً المحبطين من أصحاب نظرية «القرب المشقوقة»، لكنه يتفهم دوافعهم إذ إنهم يذكرون برتق الشق، مهما كان كبيراً، فالوقاية… خير من «الانسداح» والتأمل في نجوم السماء.
هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليقان على نظارة سوداء … وقربة مشقوقة

  1. طارق حسني محمد حسين كتب:

    استاذي الحبيب ابو احمد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
    اليوم خميس يابو احمد الله يبارك في عمرك وانت عارف ومايحتاج .. وهذا الكلام يمغص البطن
    واذا انمغصت البطن انمغصت واتلخبط البرنامج والا تبغانا نتفرج افتح ياسمسم ..لاحول ولاقوة الا بالله
    والله انك كفيت ووفيت .. وهذا الله وهذه حكمته .. المؤشرات .. المؤشرات .. المؤشرات .. تقول كلام
    وكلام كبير وثقيل ومخيف مخيف مخيف ..
    اقولك يابو احمد لايكون ممنوع على اللي عليهم الكلام يقراؤ جرايد .. والا يكون قال عقلهم
    هذولا فاضيين ماعندهم شغل قاعدين يدشوا في كلام فاضي .. استغفر الله بس خلينا نقوم
    نتوضاء ونصلي وبعد كده ربنا يفرجها ان شاء الله وشكرا

  2. نادية كتب:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
    انا شايفة ان هم يلبسوا نظارات مكبرة ولا يجلسوا فى البلد شوية عشان يتعايشوا مع الناس خليهم ينزلوا يقضوا ويشوفوا ان ال500 ريال مثل ال100 ما تسوى شىء ويبعدوا عن الوساطات والعلاقات الاجتماعية الى مسهلة امورهم ويحاولوا يعيشوا مثل بقية البشر ويوقفوا عيالهم مثل بقية البشر الى يتمرمطوا عشان ينقلوا من حضور المساء للصباح وكمان ما ينتقلوا وغيرهم بالواسطة تتسهل امورة
    ياسيد عبد العزيز لكل واحد بلواة لكن الشكوى لغير الله مزلة بهدلة فى بهدلة
    عارف مشكلتنا اننا نعرف ما هو الافضل. مهو لو جلسنا على عمانا كان ارحم لنفسياتنا. اريد معرفة فين وكيف ومتى ضاعت الزمم والضمائر؟؟؟

التعليقات مغلقة.