الصحة في الميزان

قضية المواطنة “مزنة” مع مستشفى الملك عبدالعزيز في جدة المنشورة في “الحياة” يجب أن تفتح ملفات صحية كثيرة، تطرح دائماً على شكل قضايا منفردة ومتكررة. وإذا كانت أوضاع الخدمات الصحية في بلادنا تعيش اختناقات لم يعد الحديث عنها مجدياً، وما زالت أسيرة للطب التجاري، ولم يظهر للمواطن أي تحسن ملموس في هذه الخدمة من ناحية سهولة الحصول عليها ونوعيتها… إلا أن هذا لا يجوز أن يكون مبرراً للتقاعس عن الإصلاح داخل وزارة الصحة، بداية من ملف الأخطاء الطبية إلى الأخلاق الطبية.
قائمة الإصلاح في وزارة الصحة طويلة إلى درجة يعتقد معها المرء من كبر الشق أنه لا يرى من القربة إلا رقبتها، وقبل فترة نشرت جريدة “الاقتصادية” تقريراً اتهمت فيه الوزارة بعض المستشفيات الأهلية والصيدليات بخرق اللوائح والتسيب وصرف الأدوية من غير وصفات، وكان أمر مضحك أن تتهم الوزارة جهات هي المسؤولة عن مراقبتها بدلاً من أن تعلن لنا عن قائمة بأسماء من اتخذت إجراءات ضدهم، مثل هذا التقرير أو التصريح يقدم لنا صورة عن الأوضاع الصحية، بعدها نشرت جريدة “الوطن” تصريحاً لمسؤول في الوزارة نفى فيه ضعف الرقابة وأكد في الوقت نفسه انتشار صرف الأدوية من دون وصفة وأدوية مزورة!؟ وهذا من عجائب صحة بلادنا… ثم بدأ الحديث عن حملات أتت بعد التحذيرات وكأن التهديد يقول: “كل واحد يضف قشة… الوعد الأسبوع الجاي”، مثل هذه الأحوال لا تبشر بخير، وأعلم أن التركة ثقيلة في وزارة الصحة، وقل لي عزيزي القارئ عن وزارة تركتها ليست ثقيلة، من المالية والبلديات إلى الإعلام، والتعذر بالتركات الثقيلة ليس مبرراً على الإطلاق، الإصلاح والتنظيف تظهر ملامحها بسرعة، فهل ترون أية ملامح؟
 لنأخذ نموذجاً عن أحوال الشؤون الصحية، محافظة جدة مثالاً، نشرت جريدة “المدينة” قبل فترة خبراً مطولاً تحت عنوان “صفقات وهمية وترقيات بالواسطة ورواتب لموظفين لا وجود لهم”، كل هذا يحدث في شؤون جدة الصحية، وصفت الجريدة القضية بأنها الأكبر من نوعها في إهدار المال العام، وفي ثنايا الخبر قصص عجيبة عن سوء استخدام السلطة الإدارية واستغلال أموال الوزارة، وقائمة طويلة لو كانت المساحة كافية لأتحفتكم بها، وهناك لجنة تحقق في الموضوع، لكن ما النتيجة؟ لا أحد يعلم!
 من التاريخ القريب والبعيد يمكن للمتابع توقع أن كل تلك القضايا ستتحول إلى ألعاب نارية تفرقع وتضيء السماء وتخطف الأنظار ثم تتلاشى، تقوم الصحف بواجباتها وتتبخر النتائج على أبواب اللجان، وقضية رشوة الصيدليات غير بعيدة منا ولا نعلم إلا خبر القبض على… ثم اختفى البث!
قضية المواطنة “مزنة” جرس إنذار جديد يعلن عن المستوى المتردي الذي وصلت إليه الأحوال الصحية وما الذي يمنع تكرارها في منطقة أخرى حتى ولو قيل لك: “جدة غير”!