والسيولة هنا هي المال، ولأن معظمه اتجه إلى الأسهم فإن الكل منشغل بشاشته السحرية، الموظف في مكتبه والمعلمة في مدرستها، وحتى أكون واقعياً أقول النسبة الكبرى منهم، حتى العسكريين في وظائفهم المهمة. أصبحت هذه الشاشة تنافس شاشات التلفزيون بل تركتها وراءها بعيداً. اشترى البعض سيارات بالتقسيط بحثاً عن السيولة، وآخرون باعوا “أباعرهم”، وبين هؤلاء كثر من الرجال والنساء استثمروا مدخراتهم، كثير منهم يعتمد على التوصيات، والجملة الشهيرة هي “عليه توصية”، ولا أحد يعلم من هو الذي أوصى، قد يكون “هاموراً” أو ثعلباً، و”الهامور” الآدمي يمكن أن يكون ثعلباً، أما الهامور فهو كما يعلم البعض نوع من الأسماك الوافرة اللحم والطيبة الطعم، لذلك هو مسمى لا ينطبق على بعض كبار المضاربين في سوق الأسهم ممن يرفع المؤشر بقدمه اليمنى ويطيح به باليسرى، الأفضل أن نطلق عليه سمك القرش، لهذ السمك قدرة عجيبة على شم رائحة الدماء، ويشهد لأسنانه بالقوة والحدة، وفيه من الشراسة والنهش ما أخبرتكم به البرامج الوثائقية.
وقبل انخفاض مؤشر الأسهم الحاد يوم الأربعاء الماضي سادت وانتشرت التوصيات، وعليه أو عليها توصية، يمكن لك بحثاً في سلوكيات البشر معرفة سهولة النقل والإيمان بما ينقل من عبارة “عليه توصية”، من السهل استخدام كثير من البشر مندوبين لنشر الإشاعة و”عليها توصية”، يستخدم سمك القرش أسماكاً أصغر لنقل الإشاعات، في عالم البحار هناك أسماك صغيرة ترافق سمك القرش مثل عمال النظافة والموظفين ينظفون جلده وما بين أسنانه ويأكلون من الفتات، لست أعلم إذا كانت تلك الأسماء الصغيرة في البحار تذهب سابحة إلى مجتمعات الأسماك الأخرى وتعلن أن ذلك الفخ عليه توصية، لكنه يحدث في عالم البشر.
في خضم حمى الأسهم هذه ما حال الإنتاج في المجتمع والدولة؟ الأجساد في المكاتب وفي المعامل، والعقول هناك معلقة على شاشة الأسهم.
الإنتاج في البلد في حال خطرة وينصرف الناس رويداً رويداً عن كل عمل منتج موفر للوظائف الجديدة ولدخل إضافي وللتطوير والتحديث، بسبب العقبات الإدارية المعروفة والجهد المطلوب، وأيضاً بسبب الأرباح الخرافية في سوق الأسهم، وهي خرافية لأنها تذهب بالسهولة نفسها التي تأتي بها، والمؤشر الحقيقي هو الطمع، مؤشر الطمع سريع الارتفاع ويصل في ساعة إلى مليون نقطة وينهار في دقيقة لما دون الصفر.
الإنتاج في بلادنا في خطر، يدور في حلقة مفرغة من خطورة التربية الاستهلاكية إلى خطورة الأرباح السهلة المحتملة، والأمر في حاجة إلى تقنين وتنظيم ولعل المسؤولين عن التقنين والتنظيم ومستقبل الاقتصاد الوطني يقرأون مقالي فهو لن يشغلهم كثيراً عن متابعة شاشة الأسهم.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط