أسوأ أصناف القرّاء هم الذين يبادرون بالاتصال لطرح سؤال يقول: “وش قصدك!؟”، قرأوا المقال واستوعبوه، كما يفترض، لكنهم يبحثون عن قصة يروونها في المجالس يعتقدون أنها تزيد من أهميتهم، أما أسوأ أصناف الأصدقاء فهم الذين يسارعون للاتصال قائلين “وش في فلان عليك!؟”، قرروا وحكموا وبقي الاستماع إلى مستهدف غير موجود سوى في أدمغتهم المشوشة.
الصنف الأول أمره أكثر سهولة، يقول لهم الكاتب أقصد ما قرأتموه، إذا كان بعض القرّاء يحملون المقال أكثر مما يحتمل فهي مشكلتهم، يذكّرني هذا بمشهد شهير للممثل الكويتي حسين عبد الرضا في مسرحية لم أعد أتذكر اسمها وهو يقول: “الحين أنا اللي أنام وأنت اللي تحلم!!”.
الصنف الثاني أمره أصعب فهم يقدمون أنفسهم كأصدقاء، وأصر على وضع حرف الكاف، لأنه ليس لهم علاقة بالصداقة لا من قريب ولا من بعيد، هذا الصنف من البشر يعيش مثل الضفادع في المستنقعات، وقد يرى نهراً صافياً مثل عين الديك لكن الصورة المبرمجة في ذهنه هي صورة مستنقع يحلم بالسباحة فيه، أنفه لا يشم سوى رائحة المستنقعات فماذا يفعل؟
مقال “كل شارب له مقص” أحدث مثل ردود الفعل تلك، وهي لم تفاجئني بسبب الخبرة، من الجيد اختبار البشر من حولك ولو بمقال يحاول ملامسة ظاهرة منتشرة، تستطيع معرفة آفاق الناس من تعليقاتهم وأين يحرثون لزرع بذورهم أو عندما تلمع “محاشهم” جمع “محش” في توق لحصد ما يعتقدون أنه ثمار، البرمائيون من السهل اكتشافهم لديهم غدد ظاهرة لا تخطئها العين الثالثة.
من نافلة القول أن الإنسان كما أنه لم يختر صورته فهو لم يحدد تفاصيلها أيضاً، حتى لو هذّب هنا وعدّل هناك، ومن نافلة القول أن انعدام الشعر أو كثافته في الوجه أو فوق الدماغ لا تقلل كما أنها لا تزيد من قيمة الإنسان، هي صور لا نتحكم فيها، أما مسألة “حت” الشوارب وإطلاقها فهي من الحريات الشخصية تحددها رؤية صاحب الشعر أقصد صاحب الشأن، أما عند أصحاب الأفق الضيق فما زال الشكل وصورة الهيئة والسمات تحدد شكل العلاقة والأحكام لكنهم في الطريق إلى الانقراض.
لدي أقارب وزملاء وأصدقاء، وهم كثر ولله الحمد، رجال فيهم من قام “بحت” شاربه، و فيهم من أطبقت شعيراته على شفتيه ومن أرخى لحيته ومن حلقها، كل الأطياف متوافر لهم كل الاحترام والتقدير، ما ينقصني هو صديق له شارب معقوف إلى الأعلى، مثل الشوارب التركية القديمة.
الأهم من الشعر هو الشعور، ذلك الذي لا نراه بالعين ولا نستطيع تزييفه حتى ونحن ندعي الصداقة والحرص على فلان، الأهم هو الأخلاق والتعامل فإلى كل “البرمائيين” الذي خمّنوا واندفعوا طالبين القرب من بعض الأصدقاء والزملاء أقول لهم: عفواً لا يوجد لدينا مستنقعات.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط