بيضة التوت

هل يبيض التوت؟! من الممكن ذلك على رغم أنه فاكهة، لا ننسى أننا في زمن العولمة، شراب التوت له قصة طويلة معنا، أتذكر أن بائع عصير التوت المتجول كان ينادي: “اشرب التوت قبل ما تموت”، لهذا ارتبط التوت في مخيلتي بالحياة! وكان حاضراً بقوة وما زال في شهر رمضان، أما لدى الأطفال فله وقع غير طبيعي، ربما بسبب اللون والطعم، وربما بسبب –  بحسب علمي – ما ظهر من أنواع الآيسكريم الشعبي، كانت الأصباغ والإضافات مستحبة، ولم يكن أحد يعلم أن بعضاً منها يؤدي إلى التهلكة. قبل عام ونصف تقريباً طرأت ظاهرة جديدة “عصير توت طبيعي” تنتشر محاله في العاصمة الرياض، محل كامل لا يبيع سوى نوع واحد من العصير، وانتشرت مطويات مدعمة بآراء خبراء تبين الفوائد الصحية للتوت، وكان أمراً عادياً، صرعة التوت مثل غيرها من الصرعات خصوصاً مع الإقبال على الطبيعي، واستغلال هذه الصفة لدرجة لن أستغرب معها لو ظهرت منتجات بلاستيك “طبيعية”!
بيضة التوت جاءت من وزارة البلديات، إذ نشرت الصحف وبثت وكالة الأنباء الرسمية “واس” تحذيراً شديداً من أنواع عدة من عصير التوت التي تروِّج على أنها طبيعية وغير مستوفاة لمعلومات البطاقة الغذائية، حيث يضع أصحابها أرقام الجوال، والملفت للنظر في التحذير شديد اللهجة أنه أورد أسماء تجارية مختلفة مثل” أرياف، عجائب التوت، أبو ساري، نايف”، وفي تقديري أنها محالّ صغيرة، التحذير كشف لنا تعاوناً وثيقاً بين وزارة البلديات ووزارة التجارة، الأخيرة أخذت عينات من أحد الأنواع واكتشفت أصباغاً وخمائر وبكتيريا هوائية، وتم إحالة صاحب المحل إلى لجنة الفصل في قضايا الغش التجاري.
هل نعيش بداية انطلاق حملات بلدية لمكافحة الغش التجاري؟ وهل سنرى أسماء شركات تجارية ومصانع مشهورة في ما إذا ثبت عليها غش تجاري، أم أن الأمر سينحصر في التوت والمحال الصغيرة؟
 من الواقع المعاش أتوقع أن الأمر سيبقى على ما هو عليه، وأن قضية التوت حالة استثنائية وجدت طريقها بهدوء وربما ببطء يشبه بطء السلحفاة في سباقها مع الأرنب لتصل إلى بيان تحذيري وعقوبات على المتسبب.
ومع بيضة التوت أفتقد صوراً لبعض المراقبين في وزارة التجارة التي كانت تنشر لهم بكثرة في الصحف وهم يحملون بعض المضبوطات المخالفة في مستودعات الحليب الفاسد والمعلبات المنتفخة. البطاقة الغذائية مهمة ولكن المنتجات المخالفة من العطارة إلى البقالة منتشرة وبحجم كبير بحيث يستغرب الإنسان الالتفات إلى عصير التوت، لذلك يمكن لنا استنتاج أن التوت يبيض أيضاً بحسب المواصفات القياسية السعودية.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.