«من شاف ومن درا»؟

في أول انتشار لمصطلح الشفافية في صحافتنا ومجتمعنا، أواخر التسعينات من القرن الماضي على ما أتذكر، كثر الحديث والكتابة عن هذا الكائن الجديد، حتى صدّقنا أنه جنين يوشك على القدوم في أي لحظة. أقيمت له الندوات وورش العمل الحكومية منها والخاصة، وتعاملنا معه تعاملنا مع الضيوف «الجنِبَّا»، حفلة ولائم يطلق عليها فعاليات، ضيف لا بد أن «يشرّف» مجلس كل جهة، أو يرتشف فنجالاً لدى جهة أخرى. وعلى رغم أن للشفافية وغايتها وما تهدف إليه أصولاً في ديننا، آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة، ومواقف معروفة لكبار الصحابة، عليهم رضوان الله تعالى، إلا أن قدومها من الخارج بذلك الثوب القشيب كان له وقع إعلامي وصدى.
لاحقاً لم يتحقق شيء، مع كل تلك الحفلة البهيجة، ولم تتحقق حتى الحدود الدنيا، فلا شفافية من القطاعين الحكومي والخاص، وبقي الوضع كما كان. استهلكنا المصطلح، مرة بالسلق ومرة بصينية داخل الفرن وأحياناً «شلوطة»، بل إنه مع تصاعد الطرح حول الشفافية زادت سحب العتمة في شكل طردي، وكثرت الأسئلة من دون إجابات.
الشفافية لم تكن هي الوحيدة بالطبع، مررنا بمراحل من العالمية والتنافسية إلى الموضة الأخيرة… المستدامة، لكن تركيزي على الشفافية كونها والدتهم المربية الحنون، ولأن الأم لم تولد أصلاً فمن المستحيل قدوم أبناء وبنات!
لو طبّقت الشفافية لحققت الكثير في التنمية وصولاً إلى العالمية و… الاستدامة، ولكانت بؤر الاحتقان أخف كثيراً، لكن ابتذال المصطلحات من دون تطبيق تحوّل إلى حشو إنشائي ممل، ومثير للتهكم وحَبْكِ النُكات.
تأملت في سبب عدم الأخذ بمبادئ الشفافية في بلادنا وتطبيقها، واكتشفت أسباباً عدة ومتشابكة، لكنها غير ظاهرة على السطح، وهي نفسها في حاجة للشفافية، وإذا أخذنا بحسن الظن فإن الخلط بين الستر والتستر واحد من أسباب «الممانعة» غير المعلنة في تطبيق الشفافية، وفيه أيضاً من المقايضة والمشي «جنب الساس»، وهم بالعامي يقولون «اسكت عني وأسكت عنك!» هذا في المجتمع العريض، وفي الدائرة الحكومية أو الخاصة «لا تكشف مغطى ولا تغطي مكشوف»، وما دام العمل بهذه «القواعد» قائماً فلن يتوقع للشفافية ولادة، وسنستمر في الدوران حول أنفسنا.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

3 تعليقات على «من شاف ومن درا»؟

  1. تطبيق تلك الشفافية فيه تقليد للغرب وهو ما لا يناسب لنا في الطفرة الحالية.
    تطبيق الشفافيه يحد من الصلاحيات المطلقة للمدير بل قد يعرضه للمسائلة، ومن ثم مسائله رئيسة الاعلى وهذا سيدخلنا في دوامة تشغلنا عن التنمية الحقيقيه للوطن .

  2. ((( بالعامي يقولون «اسكت عني وأسكت عنك!» هذا في المجتمع العريض، وفي الدائرة الحكومية أو الخاصة «لا تكشف مغطى ولا تغطي مكشوف»، وما دام العمل بهذه «القواعد» قائماً فلن يتوقع للشفافية ولادة، وسنستمر في الدوران حول أنفسنا.)))))

    زبدة الموضوع يا ابا أحمد
    لك التحية والتقدير

  3. عبدالعزيز الهزاني كتب:

    وعلى لسان حسني البرزان فى مسلسل -صح النوم- “أذا أردنا أن نعرف ما فى أيطاليا فيجب أن نعرف ماذا فى البرازيل,,,, وأذا أردنا أن نعرف مافى البرازيل فيجب أن نعرف ما فى أيطاليا” ..

    كأننا والماء من حولنا…..قوم جلوس حولهم ماء

    وفى كلمة واحدة “مطرسة” يعرفها الناطقين باللغة النجدية… (بلاغة)….!

التعليقات مغلقة.