عن الكنز المدفون

هناك كنوز مدفونة تعودنا عليها، ولم تعد تستثير الانتباه إلا من قلة محدودة، وحينما تناقش يتم التقليل من قيمتها وقدراتها المختزنة، ومشكلة هذه الكنوز أنها محلية، وعلق بها كثير من الشوائب على مدى الزمن بسبب الإهمال الرسمي والأهلي، وهي توصم أحياناً بالتخلف وأن العلم والزمن تجاوزها، ولو تم الحرص على البحث فيها وتطويرها لأسهمت من دون شك في فك اختناقات، ووفرت فرص عمل، خصوصاً في المجال الصحي، ولو تم تنظيمها لاستطاعت القضاء على أوكار الشعوذة والنصب الصحي النفسي.
انظر – أخي الكريم – إلى الحجامة، لقد أصبح لها قيمة حالياً بعد أن حصلت على “الختم الغربي”، وقبل سنة أو أكثر قليلاً كان الناس يذهبون إلى بعض البلدان العربية للعلاج بواسطتها، وهي تحارب أو تهمل في الداخل، فلا أحد يريد أن يطور. الآن أصبح هناك أطباء يمارسونها في المراكز الصحية الكبرى، والسر في “الختم الغربي”، عقدة الخواجة هذه لا تصيب الأفراد فقط، بل تصيب الوزارات والحكومات. وانظر إلى النظرة الدونية للعلاج بـ “الكي” والاستخفاف به بدلاً من أن تُخصص له مراكز الأبحاث، ويُجند له الباحثون، وانظر إلى الطريقة الشعبية العربية القديمة في علاج كسور العظام كيف أهملت! و لا تنس طب الأعشاب المحلي، الذي يعيش الإشكال نفسه، وكثير منا يتذكر أسماء معالجين شعبيين، وبعضهم يستحق لقب طبيب واستشاري، من الشيخ ابن مزروع إلى الصمعاني وابن ركيان. أين ذهبت خبراتهم وتجاربهم التي لا تقدر بثمن؟ لقد تم التضييق على بعضهم، والسبب أنه ليس لديهم شهادة أجنبية، بدلاً من الاستفادة من خبراتهم وتطويرها، رحم الله من توفي منهم، وأسبغ لباس الصحة على الأحياء. هذا الإهمال الرسمي لم يجعل الجيل الثاني من أبناء هؤلاء الرواد يهتم باكتساب الخبرة من آبائهم، فضاعت كثير من الكنوز.
ولست أعلم ما الذي ستخسره وزارة الصحة وكليات الطب لدينا لو أقامت مراكز للأبحاث، واحتضنت المعالجين وأفادت واستفادت! هل هي المنافسة الوظيفية أو النظرة الدونية للخبرة الشعبية؟ هل هي عوالق شخصية تسهم في وأد هذه الكنوز التي تشكلت على مدى سنوات طويلة؟
انظر إلى أكبر كنز لدينا، كنز عظيم، يهمل ويستخف به بعضهم، وبسبب هذا الإهمال يعمل فيه من هب ودب فيشوهونه، بل إن الإهمال الرسمي له دفع بعض المشعوذين إلى استخدامه للنصب على الناس، فطردت العملة الرديئة العملة الجيدة، ما الذي يضر وزير الشؤون الإسلامية لو تبنّى إنشاء هيئة أو جمعية للمعالجين بآيات القران الكريم؟ ألم يقل الله – تعالى – في محكم آياته: “وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا”؟ وما الذي يمنع إصدار رخص للمعالجين بالرقية الشرعية وفرز الصالح من الطالح؟ وإنشاء مركز أبحاث يعمل على الغوص في هذا الكنز المدفون، ويتم تبادل الخبرات والتجارب فيه. لست أعرف ما المانع!، فهل ننتظر أن يأتينا هذا من الغرب مثلما عادت لنا الحجامة والشبابيك الإسلامية للبنوك؟!.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.