«مُلبد»!

لبد بالمكان أي أقام به ولزق، فهو ملبد به»، من لسان العرب.
ولاحظت أن الموظف على مختلف مستويات الوظيفة إذا كان من النوع «الملبد»، استطاع الاستمرار، وربما الترقي إلى أعلى، لكن لهذا شروط، فمع القدرة على الالتصاق الشديد بالمكان، وهذا له لائحة خاصة، لا بد من «التحلي» بميزات أخرى، منها القدرة على الكلام من دون إيصال معنى، تسمع كلاماً عاماً يعطي انطباعاً إيجابياً، لكن لا تخرج منه بمعنى أو رأي محدد، ولو سألته مثلاً عن رأي في مسألة معينة، «وعلى بالك أنك ستخرج بنتيجة»، لكان جوابه بسؤال يقول: «من أي ناحية؟»، عليك حينها أن تبحث عن كل النواحي، لتختار منها واحدة المخرج منها جاهز في جيبه العلوي، والأصل في صفة «الملبد» ألا يقول رأياً، اللهم إلا في المتفق عليه تمام الاتفاق.
ومثل هؤلاء يتحاشون من يعمل في الإعلام من دون إعلان ذلك بالطبع، لكن الواحد منهم عند المصادفة يكون في غاية الحرص، على اعتبار أن كل إعلامي ينقل ما يسمع وكلام الأول درر.
ويتمتع «الملبد» بمزايا تضاف إلى قدرة – عند الحاجة فقط – على الكلام لأجل الكلام، فهو قدير في لغة الجسد من الابتسامة إلى هز الرأس، ما يجعل محدثه واقعاً تحت وهم الإنصات أو الموافقة، وفي مستويات المسؤولية في الوظائف العامة عدم الظهور على السطح ليس إيثاراً للغير، لكن الملبد علم أنه ثمن الاستمرار، وذاك ليس عدم رغبة في الظهور بل حذر من نتائجه وثمنه اللهم إلا إذا كان للحضور أثر إيجابي مؤكد، ولو قدر للملبد الحصول على طاقية الإخفاء لكانت غطاء رأسه الأثير، ويلتصق فئات من الملبدين في مفاصل مهمة من الهيكل الإداري تعطي درعاً وذريعة للصمت، أما في التجربة والخبرة فهم أبخل الناس بنقلها أو إيصالها إلى غيرهم حتى لموظفيهم، بل قد يظن الواحد من البسطاء للوهلة الأولى أن لا خبرة لديهم، خصوصاً وهم ينصتون باهتمام أو يوهمون بذلك، وقد تشي الصفة بالتبلد وهذا غير صحيح، أما إن حصل مثل ذلك، فهو استثناءات لا بد من ورائها ملبد أكبر فائق الخبرة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.