لم يكن العفو عن سجناء الرأي من إخواننا المواطنين مفاجئاً للكثير منا، بل كان متوقعاً منذ زمن، وكل صباح كانت الاشاعات تدور حول صدور عفو كريم عنهم، ذلك التوقع مبني على تاريخ القيادة السعودية في التعامل مع مثل هذه الأمور.
كانت المفاجأة الكبرى هي العفو عن مدبري مؤامرة الاغتيال من الليبيين، وهو حدث لا يمكن للمرء تذكر مثيل له في العصر الراهن، ولا شك أنه ليس بالأمر السهل على الفرد العادي أن يصفح عمن حاول المساس بحياته، فكيف يكون الأمر مع مجموعة منظمة تنتمي بشكل أو بآخر لنظام حكم اشتهر بأعمال بهلوانية، لا تختلف كثيراً عن هذا العمل. وإذا وضعت تلك المحاولة في ظرفها الزمني وهو ظرف عسير تجاوزته المملكة العربية السعودية، وعلمت أيضاً أن المؤامرة كانت تستهدف ربان السفينة في وقت عصيب بكل الأبعاد والآثار المحتملة، يمكن لك التبصر بصعوبة صدور مثل هذا العفو. لكنها شيم الرجال، وعفو المقتدر، وهي أيضاً عفو المتفائل بمستقبل الأمة والساعي إلى لمّ شملها بكل إمكاناته، وعفو مثل هذا لا يقدم عليه إلا الذي ما زال يحدوه الأمل أن يقدر الآخرون مثل هذه المواقف الكبيرة، فيقومون بواجبها أو يكفون شرورهم عن الناس. والمتتبع لأسلوب الملك عبدالله بن عبدالعزيز في التواصل مع أبناء الشعب سواء بالخطاب أم اللقاءات الشخصية يجد الإنسان حاضراً فهو يوقر الكبير ويرحم الصغير، هو رجل شعبي يحب التبسط، وانظر إلى تلقائيته وعفويته عندما قام بتلك الجولات التي ما زالت عالقة بالذاكرة في أسواق الرياض والمدينة المنورة والمنطقة الشرقية، هو رجل لا يعرف التصنع.
في الشأن الداخلي، يفتح الملك عبدالله بن عبدالعزيز صفحة جديدة، وهو رجل الحوار الوطني ومؤسس منتداه، لذلك حرص في أول خطاب له بعد توليه مقاليد الحكم أن يطالب شعبه بالنصح والدعاء.
في الشأن العربي الإسلامي، هو يقدم نموذجاً للصفح عندما أصدر عفوه عن أدوات محاولة هز استقرار المملكة من المواطنين الليبيين، فهل تصل هذه الرسالة؟ وهل يتم التمعن في هذا النموذج الفريد؟
الأمل أن يؤدي ذلك إلى عقلانية لدى القيادات السياسية العربية الأخرى، والحلم أن يقودها هذا النموذج القدوة إلى إعادة النظر في تعاملها مع مواطنيها وشقيقاتها من الدول العربية الأخرى. الواقع العربي الإسلامي هو في أسوأ حالاته، هذه الحالة المتردية جعلت الأجنبي يقف متربصاً ومنتظراً لاستغلال كل ما يمكن استغلاله والذرائع جاهزة ومعلبة،
واقع الأمة لم يعد يحتمل الممارسات السياسية الثورية ولا قمع الشعوب أو محاولات استهداف استقرارها، فهل تصل الرسالة؟
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط