زمن «لا تشره»

تعليقاً على موقف تعرض له، قال صديقي: نحن في زمن «لا تشره». و«الشرهة» هنا يَقصد بها معنى لا تعاتب أو لا تستغرب وتُصعق من موقف أو فعل قام به فلان من الناس، فيقال عنه باللهجة المحلية: «ما عليه شرهة».
وسبب استنتاج الصديق المراقب لما حوله أن الشروط الاجتماعية المتعارف عليها بدأت تتهاوى رويداً رويداً. الخطوط الحمراء تتوسع فما كان مستغرباً بالأمس أصبح معقولاً اليوم، وربما مطلوباً. الطلب هنا مخصص لمن يجيد ركوب الموجات، وهي كثيرة ومتعددة.
كان الصديق يتحدث عن شخص اشتُهر فجأةً فلم يعد يرد على اتصالات، بل تُحال إلى مدير أعماله. وسألتُ عن الأعمال فقال إن القصد من مصطلح «مدير أعمال» جلب الأعمال. ومن أساليب الجذب والدعاية والإيحاء بكثرة «الشغل»، حتى ولو كان صاحبها عاطلاً، إلا من نشاط في «تويتر» أو «فايسبوك».
لكن هذا النموذج بسيط، بل هو قديم يتجدد. الطارئون على الشهرة هذا مستقرهم، إنما «زمن لا تشهره» واقع وحقيقة لا يمكن إنكارها، ومن الشهرة إلى التسول في «زمن لا تشره»، تسوُّل من نوع آخر، التسول عن طريق «سلفني»، يدّعي أحدهم أنه مديون طالباً المساعدة العاجلة تحت بند «الضرورة القصوى»، وكونه لم يعد يستطيع الاقتراض من المصارف فهو في القائمة السوداء، بحسب شركة «سمة» الائتمانية لمصلحة المصارف، مع ضغوط دائنين يلاحقونه.
بجهود «سلفني» يجمع المقسوم من هنا وهناك ورمضان كريم، ثم تُفاجَأ أنتَ به بعد أيام قليلة مع الأسرة الكريمة سائحاً في بلد أوروبي مستوى المعيشة فيه يحتاج إلى أكثر من مبلغ الدين المزعوم.
«زمن لا تشره» حافل بكثير من النماذج. ما سبق ذكره عينات فقط، وهو زمن غلب عليه التلون. القدرة على سرعة تغيير الألوان قد تأتي تدريجياً أو فُجأةً. وهو لا يحتاج إلا إلى وجه «مغسول بمرق»، كما يقول المثل الشعبي.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.