تصور أن دولاً ضعيفة وفقيرة مثل ألبانيا أو بنغلاديش عرضت أو قدمت مساعدات للولايات المتحدة الأميركية إثر إعصار كاترينا، حتى الغابون وجيبوتي قدمتا تبرعات لأكبر قوة عظمى على وجه الأرض، كل دولة على قدر إمكاناتها. الدول الفقيرة تقدم “الكاش” بالدولار، في حين قدمت دول متقدمة اقتصادياً مثل اليابان تبرعات عينية مثل الخيام والمولدات، أما “الكاش” القليل منها فقد خصص للصليب الأحمر الأميركي! هولندا أرسلت غواصات وقوارب ومؤناً، فنلندا أرسلت 30 شخصاً من طواقم الإغاثة و300 خيمة وتجهيزات أخرى ذكر فيها حتى القفازات، ألمانيا أرسلت أغذية ومؤناً ومضخات وما إلى ذلك، بريطانيا أرسلت 500 ألف كيس نوم!
ما ذكرته أعلاه ليس كل قائمة المتبرعين، ونحن نعلم أن كثيراً من الدول العربية تبرعت بالدولار وبأرقام كبيرة، لكن المراد من تقديم هذه المعلومات توفير عينة عشوائية تضم دولاً فقيرة وغنية، الملاحظ أن الأغنياء قدموا تبرعات عينية أكثر من المالية، في حين حرص الفقراء على “الكاش” على قلة ما في الخزانة، التبرعات العينية تفيد اقتصاد الدول المتبرعة وفي الوقت نفسه تشير إلى المشاركة وتقديم يد العون، ليس في ذلك عيب بل هو دليل وعي اقتصادي، هذا من الناحية الاقتصادية التي يفهمها الغرب جيداً ويتأخر في فهمها العالم الثالث.
من الناحية الإنسانية التي تتجمل بها دائماً الحكومات الغربية، على رأسها حكومة بوش ورامسفيلد، فإن دول العالم الصغيرة والكبيرة وقفت وقفة إنسانية رائعة مع مصاب السكان في الولايات المصابة بالإعصار الساحق، وهو مصاب أليم ومحزن لقلب كل إنسان.
تصور أن دولة مثل فيتنام التي عانت الويلات من الجيوش الأميركية وأسلحتها الكيماوية والتقليدية التي تمت تجربتها على شعبها في حرب طاحنة، هي أيضاً تقدمت وتبرعت للمصابين.
هل يحق لنا أن نتوقع أو نتمنى أن يتحول هذا الزخم الإنساني إلى شرارة توقظ الضمير الحكومي الأميركي، فيتوقف عن زيادة آلام البشرية تحت ستار الديموقراطية وحقوق الإنسان؟ هل نتوقع أن تستفيد الحكومة الأميركية من حملة التضامن الكبيرة والعفوية التي وقف معها العالم فيها، أم أن هذه المشاركة الإنسانية ستذهب أدراج الرياح مثلما ذهبت مشاركة العالم لأميركا في أحداث سبتمبر؟
تصور أن الكارثة تسحق ولايات أميركية والقوات الأميركية تشارك بإصرار في إشعال حرب أهلية في العراق، تقوم هذه القوات بالدور الرئيس في مسرحية فضائية مكشوفة عنوانها: “كيف تصنع حرباً أهلية طائفية؟”، يعاد عرض المسرحية بشكل متتابع في مناطق عراقية مختلفة، إذا كان العراق بركة من الدماء إبان حكم صدام حسين فإنه تحول إلى بحيرة دم تكبر يوماً إثر يوم، النتيجة “شر خلف لشر سلف”.
الأماني طابع إنساني ليس له علاقة بالسياسة والشراهة للنفط وعقود ما يسمى بالإعمار، إعمار لمن وأكوام الجثث في بغداد وتلعفر ترتفع أكثر فأكثر لتتجاوز ناطحات السحاب التي هوت في أحداث سبتمبر؟!
تتجاوز الولايات المتحدة إعصار كاترينا وتزرع إعصار الطائفية في منطقتنا.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط