تضييق الفرص

كرامة المواطن كانت هي المحور الرئيس لقرارات وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الأولى، وعايشنا أول قرار اتخذه الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله – والخاص بزيادة رواتب الموظفين، ثم جاءت توجيهات نبيلة أخرى، بدأت بمطالبته بعدم اطلاق كلمة” جلالة أو مولاي”، على كائن من كان، ثم توجيهه بعدم تقبيل الأيدي، لأنها عادة دخيلة على مجتمعنا. هنا نلاحظ حرصاً ملكياً على حفظ كرامة المواطن المادية والمعنوية، هذه الصيغة الملكية في التعامل مع أفراد الشعب لم تأت من فراغ، وهذه الرغبة الملكية الكريمة يجب أن تجد لها أثراً في تعامل الجهات الحكومية مع المواطن، لا ينحصر هذا في التعامل اليومي فقط، بل من الواجب أن يتعداه إلى فتح أبواب الفرص للقطاع العريض من المواطنين، وهنا وإكمالاً لسلسلة المقالات عن “هزة دانة غاز”، لابد من البحث عن الأسباب الحقيقية التي دفعت بعشرات الآلاف من المواطنين للهجرة بذلك الأسلوب، الذي مس وخدش صورة المواطن السعودي في الداخل والخارج، والواقع يقول ان تضييق الفرص هو ما تقع فيه الجهات التي تدير دفة الاقتصاد والمال، وذلك نتيجة إما للبيروقراطية أو لعدم التفاعل الحقيقي مع حاجات المواطن، والبعد الإقليمي الذي أحدثته هجرة المواطنين في اكتتاب دانة غاز، وقبله أبعاد داخلية أنتجتها اكتتابات في شركات محلية، لم يتم التعاطي معها بالشكل المطلوب، فكانت دانة غاز وجسر البحرين وصور الطوابير الطويلة أمام بنك HSBC في الدول المجاورة، لب القضية ليس في عدم وعي المستثمر الصغير بل في تضييق الفرص عليه واستخدام مدخراته لغير مصلحته، فهو يحصل على أقل الفرص نتيجة للنسب الضئيلة التي تطرح له من الاكتتابات الجديدة، وارتفاع سعر الإصدار، وكنت أتوقع رد فعل من مجلس الاقتصاد الأعلى، بل ومن أمانته العامة! وكنت أتوقع رد فعل من هيئته الاستشارية! وإذا ما تفحصت قائمة أعضاء الهيئة الاستشارية للمجلس الاقتصادي الأعلى تجد أن غالبيتهم، وهم رجال أحترمهم، يمثلون مصارف أو شركات، ويصنفون من كبار رجال الأعمال، وهو ما يدفعني إلى طرح سؤال يقول: هل يجب أن تضم هذه الهيئة أعضاء آخرين يمثلون الشريحة الكبرى من المواطنين؟ لعل ذلك يعطي شيئاً من التوازن لهذه الهيئة، التي يفترض أنها عقل مفكر للمجلس الاقتصادي الأعلى، ولعله يعطيها مرونة أكبر في التعاطي مع أحداث كبيرة مثل ما حصل في اكتتاب دانة غاز. حسناً لننظر إلى بعد آخر لهذه القضية الكبيرة. في صراع بلادنا مع الإرهاب نحتمي بالانتماء والمواطنة، فهي بعد الله – تعالى – الحصن الحصين لوحدة هذه البلاد وأمنها، بربكم ما هي نتائج تضييق الفرص الاقتصادية على الشريحة الكبرى من المواطنين؟ ألا يؤثر ذلك في غرس الانتماء والحس الوطني للمواطن، وهو يرى أن النزر القليل يقدم له ويضطر اضطراراً للسفر على أمل هو أقرب للسراب؟ إذا كنا نحذر المواطن قبل السفر إلى الخارج من الوقوع فريسة للنصب والاحتيال، فلماذا نسمح أن يستغل في الداخل والخارج؟ ولماذا نقبل بأن يظهر بتلك الصورة السلبية؟ إن في ما حدث ويحدث خطورة على المواطنة التي نسعى جميعاً إلى ترسيخ جذورها، وهنا نحن لا نواجه إرهاباً دموياً يطاول أمن واستقرار الوطن والمواطن فقط، بل إن خطورة مثل هذا الإرهاب معروفة ومعلومة لكن ماذا نفعل أمام تضييق الفرص على الشريحة الكبرى من المواطنين؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.