سحب ركامية

وصلت قناعة شريحة من الناس إلى درجة اليقين بأن سوق الأسهم هي الدجاجة التي تبيض ذهباً، يمكن أن تغفو الدجاجة أو تنام لكنها تبقى حية، ومقابل كل من حصل على بيض فاسد يزكم الأنوف ويطرد أناساً من منازلهم، هناك من جنى بيضات ذهبية جعلت موظفي البنوك يبتسمون له أكثر من ذي قبل، أصبح الأمل أو الوهم هو الذي يقود الكثيرين إلى سوق الأسهم، في حالة تشابه قصص الباحثين عن الذهب السراب، وحتى لا نستيقظ يوماً وبين أيدينا نتائج مثل بلدات الذهب المهجورة، لا بد من الوعي بالأخطار المقبلة.
لا تنحصر أخطار سوق الأسهم في الخسائر التي يتكبدها بعض المتداولين، من أصحاب التسهيلات البنكية أو من أصحاب السلف وجمع الأموال من الأقارب والأصدقاء، كما لا تنحصر في الأعداد الكبيرة من الموظفين الذين أصبحوا يتركون أعمالهم لملاحقة أخبار السوق والمضاربة فيها، على رغم خطورة ذلك هناك جانب أكثر خطورة، سحب ركامية تنذر بطوفان، من الواجب على مراكز الدراسات والباحثين والجهات المعنية بالشأن الاجتماعي والاقتصادي أن تبحث فيه وتقدم الحلول، حتى لا نقع فيما وقعنا فيه من سلبيات الطفرة الأولى، الخطورة تكمن في أن سوق الأسهم أصبحت معطلة للإنتاج، وكل يوم تصبح هذه الدجاجة البراقة مغرية أكثر لشريحة جديدة، وأصبحت قصص من باع متجره أو ورشة كانت تعول أسرته، أو حتى مؤسسة لا تحقق أرباحاً كبيرة من القصص العادية، الكل أصبح يرى ربحاً سهلاً يعتقد أنه في متناول اليد، وفي موقع مكيف والجهد الوحيد الذي يقوم به هو تتبع الأخبار والإشاعات، وصار كثير من أصحاب المهن يفكرون في ترك المهنة وهم يرون أن الربح الذي يحققونه مع الجهد المبذول لا يقارن بما يجنيه البعض في سوق الأسهم، ويحدثني أحد الأخوة عن صاحب متجر لمواد البناء اشتكى من كساد بضاعته لأن الذين يشيدون منازل أوقفوا العمل وذهبوا بالسيولة إلى سوق الأسهم، وكثير منهم اقترضوا على الراتب من البنوك ووضعوها لدى الدجاجة الذهبية، والبنوك تقوم كل يوم بالحراج من خلال إعلاناتها عن القروض الاستهلاكية المغرية، ومع الضغوط التي تتزايد يوماً بعد يوم على أصحاب المصانع والشركات الصغيرة المنتجة سواء في صعوبة التأشيرات أو نسب السعودة المبالغ فيها مثل نسبة 75 في المئة! وهي أقرب للحلم من الحقيقة، صار هؤلاء يفكرون في بيع هذه المنشآت المنتجة، والجملة التي يرددونها “مالنا وللصداع ووجع الرأس”، ومن العجيب أن السعودة رفعت من القيمة السوقية للعمالة غير السعودية، لأن الإحلال أصبح أكثر صعوبة خصوصاً في المهن التي لا يتوافر لها مواطنون، هذا تنبيه وتذكير، من باب لعل وعسى، موجه للجهات المعنية في الشأن الاقتصادي والاجتماعي إن لم تكن هي أيضاً مشغولة في سوق الأسهم.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.