مدرسة سعود الفيصل

كان الأمير سعود الفيصل – رحمه الله – يختار كلماته بميزان حين يلقي خطاباً وحين يجيب عن سؤال، ينتقي الكلمة والجملة بعناية فائقة حرصاً على إيصال المعنى المقصود للمستمع، وعندما تواصلت مع السفير أسامة نقلي لأبدي رغبة الجمعية السعودية لكتاب الرأي للقاء بوزير الخارجية لطرح كثير من الاستفهامات حول الأوضاع السياسية أمام رجل من رجالات الدولة وجدت قبولاً سريعاً، وكانت المشكلة في تحديد موعد مع الارتباطات الكثيرة والسفر المتواصل لوزير خارجية دولة هي في قلب الأحداث تؤثر فيها وتتأثر، وفي المكتب البسيط للأمير سعود الفيصل حددت ساعة ونصف للقاء الأول، لكنه تجاوز الساعتين، حتى إننا حينما خرجنا وجدنا عدداً من الوزراء والمسؤولين ينتظرون اجتماعاً كان مقرراً. وفي اللقاء أجاب الأمير عن كل الأسئلة المطروحة، وناقش ما توالد منها بهدوء وسعة بال، بل حرص على ترتيب برنامج لأكثر من لقاء مع إتاحة الفرصة لأكبر عدد من الكتّاب المهتمين، فكان لقاء ثانٍ وترتيب للقاء ثالث لم يتم بعد طلب الأمير سعود الفيصل إعفاءه من المنصب.

ولن أتحدث عن الإعجاب والصورة المختلفة التي خرج بها من حضر هذه اللقاءات، خصوصاً في استكشاف شخصية الأمير وجلاء غموض ما يدور من حولنا وتوجهات السياسة السعودية الخارجية، وهي كانت في تلك الفترة محل تساؤلات مطروحة. لكن، أشير إلى مسألة مهمة يجب أن تُعنى بها وزارة الخارجية، ولا بد من الوقوف عندها، وهي إرث سعود الفيصل الفكري، وهو الرجل صاحب التجربة الثرية معاصراً ومؤثراً في أحداث عظيمة مرت وتمر بها المملكة والعالمان العربي والإسلامي، هذه التجربة هي ما يجب أن تستخلص منها الدروس لتستفيد منها السياسة والديبلوماسية السعودية.

رحم الله فقيد الوطن والسياسة العربية والإسلامية، والعزاء لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله، ولإخوان الفقيد وأبنائه وبناته، لقد فقدنا رجل دولة من طراز نادر، لكن الأمل بعد الله تعالى في الاستفادة من ذلك العطاء والبناء عليه.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.