إذا كان المال السائب يعلّم السرقة، فماذا يعلّم المال الرخو؟ والرخاوة تصيب المال إذا لم يحفظ بالمحاسبة والتدقيق.
عشرات البلايين من الريالات أعلن ديوان المراقبة العامة عن هدرها في عام مع ضخامتها لا يعني أنها كل المال العام المهدر أو الذي لم يذهب في طريقه الصحيح نظامياً، فهو أي الرقم «قرابة 42 بليون ريال» يبقى ما وصل إلى الديوان من خلال مستندات اطلع عليها، أما ما لم يصل أو يُحل إلى الديوان، فالله أعلم به. لذلك أطلقت عليه المال الرخو، فهناك أيضاً مال مقرمش.
حقيقة ابتلشت بهذا الرقم الكبير، أين يمكن وضعه في أي جزء من الكوب؟ الجزء الممتلئ، أم في نصفه الفارغ، على افتراض حال الكوب «نص ونص»؟
مثل ما يقال في إعلانات بعض الشركات التجارية نص عليك ونص علينا. انشغلت بالكوب لأن البعض ما زال يحفظ مقولات ويعيد تكرارها بمناسبة ومن دون، وإلا يمكن استبدال الكوب بساعة رملية ينساب منها الرمل كما المال والوقت. ولا شك في أنه خلال أعوام من فائض مالي وصرف الله يعلم به وسيحاسب عليه برزت كثير من السلوكيات «الإدارية» تضم إلى تجربة الإدارة السعودية «الثرية»، من هنا أتمنى على ديوان المراقبة العامة أن ينتج لنا فصلاً مخصصاً عن هذا، ولعله يضم بداخله كسندويتش عدد المشاريع أو شبه المشاريع التي صُرفت عليها أموال لأجل «الدراسة والاستشارة والتصاميم» ثم لم تر النور وما مصير أموال دفعت، ويمكن لتحلية التقرير بشيء من الـ«الشكولاته الغنية» أن يضع قائمة بأهم المكاتب الاستشارية التي تسيطر في الواقع على العمل الحكومي المشاريعي، وكأنها الدليل المرشد مع تقوم لـ«منجزاتها».
في قضية الـ41 بليون ريال قدمت أجهزة حكومية قدوة غير حسنة في حماية المال العام والحفاظ عليه وبحسب الأنظمة، بمعنى داخل الدورة المستندية للإجراءات، وإلا لن يعلم عنها ديوان المراقبة العامة، فهذا من شأن هيئة الرقابة والتحقيق إذا ما «عثرت على»، وهي جهة لا نعلم ما وصل إليها وما توصلت إليه، وبين ديوان وهيئة «تحقيق» هناك مساحات خارج نطاق الكوب نفسه. وإذا لم يهتم بالمحاسبة الواضحة المعلنة، فإن تقارير وجهوداً طيبة مثلما فعل ديوان المراقبة العامة تصبح وجبة دسمة لأدراج غرف الأرشيف ودواليبها، وفوق خسارة المال فإن الأثر يتجاوز ذلك إلى صدع خطر في الثقة.
@