لا يهم أن تكون لديك أدوات إعلامية، بل المهم أن تكون أدوات مؤثرة، أول التأثير في محيطك ثم في خارجه، وأزعم أن هناك سطوة إعلامية لوسائل أجنبية وعربية على الرأي العام السعودي، ولم ينتج هذا إلا لأسباب يمكن وضع عنوان لها هو «فشل الاستثمار في الإعلام»، الفشل في نوعية الاستثمار وانتقاء طاقات العمل وتحديد التوجهات، وفي مقالة الأمس مررت بانتقائية قنوات فضائية غربية ناطقة بالعربية أو الفارسية، على خلفية اضطرار موقع السي إن إن العربي للاعتذار من خبر «استهدافي» نشره عن السعودية. ومع تبدل أدوات الوصول إلى الأخبار وتطورها السريع مع انتشار استخدام الجوال ضعف تأثير الوسائل المحلية أو شبه المحلية، والسوق الرحبة التي تلتهم كل شيء جديد ومحترف دفعت إلى دخول وسائل إعلام محلية ضعيفة تعتمد على الإثارة أو «التجارة»، ما زاد الطين بلة في افتقار هذه الوسائل إلى الصدقية وبالتالي عدم اعتمادها كمصدر للمتلقي.
وخلال السنوات الماضية لم ينشأ استثمار حقيقي في وسائل الإعلام محلياً، على رغم أن السعودية من أوائل البلاد العربية التي توصف بالقوة الإعلامية، قنوات فضائية وصحف دولية نشأت قبل عقود، وتوقف الأمر عند هذا الحد، في حين توالدت العديد من وسائل الإعلام المختلفة لكثير من البلاد العربية والأجنبية، وإذا بحثت عن موقع إعلامي سعودي قوي ويمتاز بتوازن واحترافية يحقق التأثير المطلوب والحضور الواعي المسؤول من النادر أن تجد.
ولا ينحصر الأمر في المواقع الإخبارية المهتمة أكثر بالجانب السياسي، خصوصاً مع الصراعات القائمة الآن، والمتوقع ازديادها مستقبلاً، بل حتى يتعداه إلى المواقع الخاصة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية.
والسوق الفضائية العنكبوتية الآن ساحة للحروب والاستقطاب أكثر من أي وقت مضى، والأهداف واضحة لكل عاقل حريص، إن من أول الأهداف خلخلة المجتمعات وتقسيمها بالاستقطابات بتعظيم المختلف عليه مهما صغر شأنه أو قلت أهميته، وخلف هذا بالطبع دولاً وأحزاباً واستخبارات لكل منها هدف أو أهداف، ليس من الصعب معرفتها، ومواجهة ذلك تستدعي عملاً دؤوباً ومنظماً، إن ترميم المتوافر من الوسائل التقليدية لن يحقق المراد، لأن بنيتها أصابها الصدأ، وعملت فيها البيرقراطية بكل مفرزاتها، كما أن الصورة الذهنية عنها تنمطت ورسخت في قرارة النفوس ومن الصعب تغييرها، لذلك لا بد من جهود جديدة تستفيد من أخطاء الماضي، وإلا سنفاجأ بأن الرأي العام في الداخل يدار من الخارج، وصورتك في الخارج يرسمها ويشكّلها آخرون أقل ما يقال عنهم إنهم مغرضون.