فايروس الهياط

أخطأ الشاب الذي صور مقطعاً تمثيلياً يسخر فيه من الهياط، والخطأ جاء من اختيار فكرة دموية للمقطع الذي صور فيه ساخراً مشهداً يغتسل فيه ضيوفه المكرمون بدم ابنه؟! فهو مثل من أراد أن يكحلها فأعماها، فالمبالغة التي استهدفها جاءت بنتيجة عكسية ليس من ردود الفعل فقط، بل أعمق وأخطر من ذلك، خصوصاً مع التقليد والمحاكاة المحتملة التي فرضتها موجة الهياط، بحثاً عن الشهرة و«البروز». وإذا كان الأمن قد أوقفه كما نشر، فالمفترض التعامل معه بلطف، النية الحسنة هنا واضحة، وإن أساء في اختيار الأسلوب، ويمكن له مستقبلاً الاستفادة من هذا الموقف في تطوير وتشذيب «خياله» لعمل مفيد ناجح من دون تحقيق ضرر.

وسائل التواصل الاجتماعي سهلت النقل وإعادة الإرسال، وهي مع هوس البحث عن الغريب والمثير والمستنكر من الجمهور، رفعت من قيمة من يأتي «بجديد»، حالة الخواء جعلت هذا المنتج اختراعاً، أما للتندر والضحك عليه أو لإبداء علامات الدهشة. والغريب أن كثيراً ممن يصورون يسقطون عند أول اختبار، بل إن بعضاً منهم لا يمانع من الصعود على تلة الهياط بنشره في وسائل إعلام هو يديرها أو يشرف عليها.

إن الحرص على تتبع هذه المقاطع ونشرها خدمة لها وتعلية لموجتها، ثم إن وسائل التواصل جعلت من حالة أو حالتين ختماً يوضع على مجتمع، وفي هذا ظلم لا شك، لكن الصورة بتفاصيلها تعطي انطباعاً عن المجتمع كله، خصوصاً في مجتمعات أخرى بعيدة عن الغوص في التفاصيل.

أما أساس الهياط فهو موجود ومتين، فالفخر والتفاخر لهما قيمة كبيرة في المخيلة والواقع، حتى ولو كانت على طريقة الزعفراني، التفاخر لدينا ليس بالإنتاج أو الإحسان بل بالعلو والأولوية، القمة مهما كانت موحشة باردة هي الغاية، فالشعر على سبيل المثال مجال رحب منذ زمن بعيد للهياط حتى صار الشاعر يقبل منه ما لا يقبل من غيره، ولا يستنكر تجاوزه في الوصف بل يصفق له.

شاعر على سبيل المثال قال إن راية بلده على نجم سهيل وفوق، إن ذلك البلد بلا راية فإنه لم ير سهيلاً ولو بـ«الدربيل». والأمثلة كثيرة، والشاهد أن للهياط أصلاً.

والعلاج ليس سهلاً، خصوصاً مع وسائل التواصل والبحث المحموم اللحظي عن الغريب، لذلك يتوقع أن نشاهد مقاطع غريبة، ولا أريد تخيل بعضاً منها هنا، حتى لا أفتح باباً لـ«المهايطية». ومن الهياط المسموح به، الشخصيات الأكثر تأثيراً والأكثر رواجاً، يحتفل بعضهم بأن اسمه وضع من جهة لا يعرفها بأنه أصبح مؤثراً، ولعله يؤثر في محيط بيته.

ومن الهياط تصوير الاقتصاد بأنه أقوى مما هو، والمشروع البسيط بأنه الأعلى والأطول والأحدث وهو مستورد بالنسخ! في مشروع برج ناطحة سحاب أوضح الإعلان «بفخر هو أخو الهياط» أنه أعلى بكذا «سنتيمتر» من البرج المنافس في البلد المجاور!؟ كل هذا انعكس وينعكس على الاجتماعي الهش، الباحث عن التصدر إما بفصاحة البيان أو طول اللسان. والحل يحتاج إلى عمل ممنهج، ينبذ مثل هذه التصرفات والسلوكيات من غسل بدهن العود، وانتهاء بحرق جذوع أشجار في حفلة زفاف، ولا ينسى الإعلام الذي يصور الأمور أو المشاريع والخطط و«الأرقام» والإحصاءات للتجمل واللمعان.

الحل يتم بإعلاء قيمة القدوة الحسنة بصفاتها التي تربينا عليها، القيمة في القيم التي تعطي للإنسان من أجل الإحسان لا بحثاً عن المديح والتطبيل، القيمة في البساطة والتواضع، أما من يبحث عن الرقص طرباً باستحلاب المديح فيمكنه شراء طبل و«التخفيق» بعيداً عن الناس.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.