الأرض للتقطيع والتشبيك لا غير

اختزلت الأرض طوال فترة الطفرة وما بعدها في العقار تقطيعاً وتشبيكاً وتملكاً، وما لا تملكه ولك الحق في بيعه لا تهتم به ولا يعنيك، والقيمة لمتر الأرض بكم؟ أما قيمتها الحيوية للحياة ورفاهية الإنسان فغابت في بئر النسيان، وإذا أردت أن ترى نموذجاً للوعي المتقدم، للمواطن المدرك لأهمية الحفاظ على بيئة الأرض وخصائصها الطبيعية، ستجد الكثير من الحسابات الشخصية في «تويتر» بالذات يقوم عليها رجال ونساء سعوديون، تكتشف أن هناك من هو مهموم بالتشجير ومكافحة تلويث البيئة وتدمير التربة، مع عدوان – تحت ذريعة التنمية – على الطبيعة الجغرافية، تأثرنا جميعاً بنتائجه السلبية، وفي مقابل وعي المواطن هذا، لا تلمس اهتماماً رسمياً من أجهزة أُسست لتحقيق هذه الأهداف! وبدلاً من استثمار هذا الزخم ودعمه والاستفادة منه لصنع وعي عام وسلوك مجتمعي منظم بالقوانين الدقيقة، بقيت هذه الأجهزة تراوح مكانها في أسلوب الإدارة القديمة.
إن مخلفات الطفرة وما بعدها في الذهن الاجتماعي كثيرة ومتشعبة، من أبرزها ترسخ السلوك الاستهلاكي، وتفشي الأنانية واللامبالاة بتدمير البيئة المحلية، عدم الشعور بالمسؤولية من جزء مهم من المجتمع بحاجة إلى إصلاح، ساعة منبهة تمسك بها أجهزة حكومية لديها موارد وصلاحيات، تستثمر بقع الضوء الواعية لتصل إلى أكبر مساحة من المجتمع.
واللافت أن كل ما تعلمناه منذ الصغر، سواء في المدارس أم من حلقات الوعظ والخطب، لا نرى له أثراً في احترام قيمة الأرض «بعيداً عن قيمتها العقارية»، ولا في احترام الشجر النادر والأودية والشعاب، ولا في احترام حياة الحيوان، وهو ما يبين أن ذلك الأسلوب لوحده غير ذي فائدة ولا يحقق المطلوب.
تعلمنا من الصغر أن بيئتنا فقيرة والصحاري تحيط بنا والمطر قليل ونادر، ومكثنا سنين طويلة نبحث عن ظل شجرة في الصحاري أيام الربيع القليلة، وبدلاً من مكافحة ذلك والعمل على إعادة التوازن البيئي وتحسين واقعه بالاستفادة من التجارب العالمية، يقوم بعض منا بمزيد من إفقاره والفوضى في استغلال موارد الأرض وطبيعتها من دون فعل رسمي مشهود يواجه هذا الخطر.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.