الفطام

على مدى عقود تمت تربية المجتمع في السعودية على الاستهلاك المفرط، والتشجيع على ذلك كان حاضراً بقوة عدم اتخاذ موقف «حكومي» من ضخ الإعلان التجاري بصنوفه المتعددة، بل إن الحكومة سايرت وقادت أحياناً هذا وشجعت عليه بطرق غير مباشرة سواء في أساليب الصرف أو التغني بالأرقام الضخمة للمشاريع كدليل على القدرة والريادة والطموح! حتى أصبح الاستهلاك من حيث النوع والكم مقياساً للقيمة الاجتماعية كما هو مقياس للقدرات التنموية، وهكذا صارت المظاهر بلمعانها الموقت الدليل المتوافر لتتبع طريق الصدارة.

ترك الحبل على الغارب ولم ينشأ سد واحد للوقوف بوجه طغيان الترغيب والحض على الاستهلاك، حتى أصبح واقعاً مراً لا يمكن الفرار من السقوط في قيعانه.

بعد هذه العقود من التنشئة والتربية نحن أمام تغير حاد وجاد تقوده الحكومة هذه المرة وبقوة، فمن تقزيم الدخل بالاقتطاعات إلى فرض الرسوم المختلفة سيكون تغيير نمط الاستهلاك المفرط خياراً وحيداً، فلا مجال هناك لخيار آخر، والمسألة تتعدى الكماليات إلى الأساسيات إذا ما وضعنا في الاعتبار الكهرباء والماء والبنزين وتوابع رفع رسومها سواء المباشرة وغير المباشرة. وهذا لا شك مؤلم، خصوصاً لأصحاب الدخول المتناقصة. ولم يعد هناك مجال لاستخدام مصطلح الدخل الثابت، لأن الثبات هنا انتفى.

وعلى رغم أننا دخلنا الطريق الجديد برفع الرسوم ومزيد من الرفع المتوقع قريباً لا نرى تغييراً في تعامل الأجهزة الحكومية تجاه ضخ الترغيب على الاستهلاك، بمعنى أن السبب الذي أدى إلى هذه النتيجة وهو من جملة أسباب إلا أنه سبب رئيس، باق على قوته. وهو ما سيزيد من صعوبة محاولة أصحاب الدخول المتناقصة التكيف مع واقع جديد لا تُعرف لحظة الانعتاق منه. من جملة ما يفتقد هنا ومن مسؤوليات الأجهزة الحكومية بثوبها الجديد هو الإرشاد، فمن غير الكافي مطالبة الناس بتغيير عاداتهم الاستهلاكية التي نشأوا عليها – من دون اختيارهم – لسنوات طويلة، خصوصاً جيل الشباب، بل لا بد من تعليمهم كيفية ذلك وفتح طرق البدائل سلوكياً لخفض أعباء الفواتير المتوالدة ومواجهه صدمة الفطام.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليق واحد على الفطام

  1. عبد الرحمن الرزيحى كتب:

    على ذكر الفطام وارى انه سيكون صعبا على الاسر السعودية التخلى عن عادات ولد الشباب وهى موجودة وهم يرون اباءهم وامهاتهم يحزمون امتعتهم للسفر كل عطلة ويجدون مهايط كبرائهم في تبديد الماكولات في المناسبات ويحجزون الصالات المكلفة للمناسبات بل يستاجر الاب الاستراحة مع اصحابه بشكل مستمر صدقونى ان مجتمعنا بحاجة الى اعادة تاهيل على جميع المستويات وليبدا من المدرسة والمسجد والمنزل والاعلام

التعليقات مغلقة.