أكل الضب بين الفرس والعرب (2 من 2)

أستكمل مقالة أمس عن انشغال العنصري الفارسي بأكل العرب الضب والجراد وغيرهما في زمن ماضٍ. يشير أستاذ التاريخ الفارسي توراج داريائي إلى جذور ذلك، فيأتي بنصوص من كتاب فارسي قديم اسمه «كتاب نامباغ»،
يحتوي على «حوار بين الملك ويشتاسب، الراعي للنبي زرادشت، وبين مستشاره جماسب، الذي كان موهوباً في التعرف إلى المستقبل». يجيب المستشار الملك على أسئلة عن البلدان وشعوبها كالتالي. «قال له الفلكي جماسب: الهند بلد عظيم. إنه بارد وحار، رطب وجاف. فيه أخشاب وأشجار لأن فيه صحراء شاسعة. وليس لديهم أي طموح، لأنهم يعيشون على الرز وحليب البقر الذي يتغذى بالحبوب. عاداتهم وتقاليدهم راقية جداً». ويقدّم جماسب لائحة أطول بطعام العرب والبربر «أقطار شبه الجزيرة العربية وبلاد البربر حارة وجافة. طعامهم – أي العرب – هو الفاكهة والماء والديدان والنمور والمخلوقات المؤذية والفئران والأفاعي والقطط والثعالب والضباع وغيرها من الحيوانات المشابهة». يستنتج أستاذ التاريخ الفارسي من ذلك أثر الديانة الزرادشتية وتصنيفها لما يؤكل وما لا يؤكل، وبالتالي تصنيف الشعوب بحسب مأكولاتها «صحيحة كانت أو مكذوبة»، ويختصر لنا ذلك في ما بين قوسين
«الديانة الزرادشتية تصف البشر والحيوانات في فئتين كبيرتين: المنتمين إلى أوهرمازد والمنتمين إلى أهرمان. أوهرمازد هو الخالق الصالح الذي تأتي منه كل الأشياء الطيبة، والذي لا يستطيع، بفضل طبيعته، خلق الشر. في المقابل، أهرمان هو الروح الشريرة، الذي لا يستطيع بطبيعته أيضاً القيام بأي شيء غير تشويه وتدمير ما يخلقه أوهرمازد». انتهى الاقتباس. والمعنى أن من يأكل من هذا الصنف هو شرير أو أقرب إلى الشر وربما النجاسة، ومن يأكل من الصنف الآخر من أهل الخير و«الطهارة» بحسب الزرادشتية. فبقايا الديانة القديمة هي الراسخة في وجدان العنصري الفارسي، فمنها يستمد الفوقية لتميّز يبحث عنه، لفك الارتباط والاختلاط الذي فرضه الفتح العربي الإسلامي، وهنا تحضرني رؤية دقيقة التحليل، وهي أن الفرس لديهم قدرة على امتصاص عقائد الشعوب التي فرضت سيطرتها على بلادهم، وإعادة صياغة هذه العقائد لمصلحتهم بعد تفريغها من مضامينها، وهذا ما نراه ماثلاً أمامنا في سياسة نظام الملالي في طهران، واستخدامهم الدين الإسلامي المفصّل على مقاس طموحاتهم التوسعية.
وأختم بفقرة لا تخلو من الطرافة، وربما تقضّ مضجع العنصري من الفرس، وهي أن موقع «ناشيونال جغرافيك» نشر أخيراً خريطة جينية للشعوب، اعتمدت على تحليل بيانات ضخمة من الـ DNA، من أجل تحديد أصول الشعوب بحسب كل دولة، المفاجأة في النتيجة أن 56% من سكان إيران من أصول عربية، و24% أصولهم من جنوب آسيا، أما النسبة القليلة الباقية فهم من أقليات أصول مختلفة. بقي أن تتم معرفة الـ DNA الخاص بالضب لتحليل نسبة وجود أثره في الـ 56% من سكان إيران.
 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.