وعود السعادة… حكومياً

أخيراً، أصبحت الحكومات العربية مهتمة بالسعادة، فمن وزارات لها، إلى تداول مؤشرات، تصنف الدول صعوداً وهبوطاً وفق معايير صادرة و «مرتبة» من جهات غربية. ويشبه هذا المصطلح «الجديد حكومياًَ» مصطلح «الشفافية» الذي وفد إلى بلاد العرب منذ عقود ومازال الضباب يلف وجهه الصبوح، فتسمع عنه أكثر مما تراه.
مبدئياً من الجيد أن تفكر الحكومات في سعادة المواطن، لكن هناك نقلة كبيرة جداً قد تؤثر في صواب المواطن وعقله وربما قلبه ما بين محطة واقعه ماضياً وحاضراً في تعاملات الحكومة وأدائها وما بين الوصول إلى محطة السعادة. فلو أخذنا أسباب عدم السعادة، من اكتئاب أو إحباط، سنجد أن للحكومات الدور الأكبر في تفريخها، المعنى أن الداء جله وليس كله من أداء هذه الحكومات، لهذا يحتاج «التنقل الافتراضي» ما بين محطة «التعاسة» وصولاً إلى محطة السعادة إلى مركبة فضائية… فالمسافة ضوئية.
لكل هذا أنصح الحكومات العربية بألا تشق على نفسها، خوفاً عليها وعلى مكانتها من مشقة تحقيق هذا الهدف، ويمكنها بدلاً من هذا السقف المرتفع جداً والهدف الصعب أمام تكتل الدفاع الفولاذي وضعف الهجوم الإسفنجي، أن تكتفي باحترام عقل المواطن، ومن خلال الأفعال والأعمال تشعره باستعادة قيمته الإنسانية باحترام حقوقه وعدم المساس بها.
فالمواطن العربي يشعر أنه «ملطشة»، ولا يمكن لمن هو أسير هذا الشعور معرفة ماهية السعادة ورؤية ألوانها المفرحة حتى يبشر بها ولو بعد عقود.
لم يكن مطلوباً من الحكومات العربية إسعاد المواطن بقدر ما يطالبها هو باحترام حقوقه وعدم التعدي عليها، لتكون واضحة وضوح الشمس كما هي واجباته التي يذكر بها دائماً عند الملمات. كانت السعادة قضية فردية شخصية لها تشعباتها، وقد تم إخفاء أو اختفاء دور الحكومات في تحقيقها من عدمه، لكن هذه الحكومات، من دون أن تعلم أو تعي، وقعت في فخ لا تعلم قراره حينما أعلنت السعادة هدفاً حكومياً. ربما خضعت لتوصيات مستشار أجنبي لا يعلم أو لا يهتم بواقع الحال واحتمالات المآل.
حكومياً، السعادة تم تخصيصها منذ زمن، ولنا في الخطاب الحكومي المتبادل بين أطراف المسؤولين فيه والذي يبدأ بصاحب السعادة، دليل على الخصخصة القديمة. السعادة هنا من المرافق الخاصة، ولا يتم الوصول إلى محطتها إلا بمنصب.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.