معايير الإنسان العادي

بعض الشهادات الإعلامية الإيجابية لجهات عالمية تثير كثيراً من الأسئلة، وتبعث على الدهشة، الحقيقة تقول إن لدينا ولعاً بالدولي والعالمي، وهو ولع ينظر لهذه الأوصاف إيجابياً، وبصفة مطلقة. على المستوى العادي، مثلاً في شمال السعودية، هناك طريق الشمال “الدولي”، وصفة الدولي التي قد تبدو ايجابية للوهلة الأولى، سببها أن الطريق يوصل إلى دول مجاورة… فقط، أما أوضاعه فليست لها علاقة بالمعايير الدولية الخاصة بالسلامة، بل إن شريطه الإسفلتي يصرخ منذ زمن بعيد قائلاً: “يكفي”… لتشبعه بالدماء البريئة! أعود إلى حوار ممثل منظمة الصحة العالمية، الذي وصف الخدمات الصحية التي يتمتع بها المواطنون والمقيمون في السعودية بأنها “ممتازة جداً”. بعد أيام من هذا الحوار بادر وزير الصحة الدكتور حمد المانع بالجلوس أمام أعضاء مجلس الشورى، وكشف بشفافية أحوال الأوضاع الصحية، لا بد من أن هذه المكاشفة أحرجت الكثيرين، وفي مقدمهم جهات حكومية يرى وزير الصحة أنها لا تتعاون بالقدر الكافي، وفي قائمة المحرجين ممثل منظمة الصحة العالمية، الذي ذكرت بعض ما قاله في زاوية أمس. شخصياً، وبخصوص تردي الخدمات الصحية، لا القي كل اللوم على الدكتور حمد المانع وفريقه، أعلم أنها تراكمات قديمة، شاركت فيها مجموعة من الوزراء، كل واحد منهم “يدف” على من يليه أطناناً من الملفات، وجهاز قديم مصاب بأمراض مزمنة، بل إنني أقدم الشكر لمعالي الوزير على شجاعته وزيارته لمجلس الشورى، وكشف الأوضاع بحسب ما يراه، فهذا جانب مهم من الشفافية، وعلى مجلس الشورى أن يطلب من الجهات الأخرى الحضور والرد، مثلما فعل وزير الصحة، وهي مناسبة لأن أحذر من بعض الشهادات العالمية والدولية، ولنا في ما سبق أبلغ مثال. ومن المثير أن تعلم ماذا يفعل مستشارو بعض الجهات الدولية التي يتم التعاون معها، للنصح في حل بعض العقبات والأزمات، على سبيل المثال، البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، وغيرهما كثير، إذ إنهم يقومون برد بضاعتنا إلينا بعد أن يتم ربط عنقها بـ “كرافتة” ملونة وربما لكنة أجنبية مؤثرة، يطوف أعضاء الفريق الاستشاري على الجهات ذات العلاقة، ويلتقون المسؤولين “الذين يملك بعضهم الحل، ولكنه حل يرتدي شماغاً وعقالاً”، ثم يعيدونه لمن طلب استشارتهم، بمعنى أن بضاعتنا ترد إلينا بعد التغليف المناسب! ومع تقديري لشخص ممثل منظمة الصحة العالمية، أهمس في أذنه قائلاً: يا دكتور أياً كانت معاييرك، لا يقبل “العادي” مثلي أن تستخدم أو توظف أوضاع الخدمات الصحية المتردية لأي غرض كان.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.