على رغم أننا نعلم الحكمة العربية الشهيرة “إرضاء الناس غاية لا تدرك”، إلا ان الآخرين همٌ مسيطر على الغالبية منا، وكنت أتحدث مع صديقي لأصل وإياه إلى أن أفراداً كثيرين من مجتمعنا يعانون أمراضاً نفسية عدة، باطنة غير ظاهرة، يمكن تلخيصها في الانتقاد لأجل الانتقاد، ربما يفكر بعضكم بكتّاب المقالات أقول ربما! لكن هذا لا ينطبق عليهم. يقول صديقي إن مجتمعنا لا يجامل ولا يصمت، فمثلاً لو اشتريت سيارة أو نظارة، وقمت بحساب التعليقات التي تصل إليك لوجدت أن معظمها جاء على شكل، لو أنك أخذت النوع الفلاني لكان أفضل لك، أو ببساطة، “وشوله”، أي وما الداعي؟ سيارتك القديمة ممتازة، وهو لم يركبها يوماً قط، ولا يعرف علة من عللها، وصديقي يقيس على مجتمع غربي عاش فيه ردحاً من الزمن، يقول، هناك، إذا شاهد جارك شيئاً جديداً عندك يبدي استحساناً له، فيرفع من معنوياتك ويسعدك بكلمة لا تكلفه شيئاً، قلت للصديق العزيز إن الإصرار على الانتقاد والبحث عن السلبيات الشخصية هو محاولة لتأكيد ذات المنتقد، وبحكم أن الإنتاج الوحيد الذي يجيده هو الكلام والثرثرة فهو يقدم ما في خزانته، وخلصنا إلى أنه ليس لدينا احترام للخصوصية الفردية، خصوصية الاختيار، الأصل أنك لا تفهم ولا بد من إفهامك، ولا تعلم ولا بد من إعلامك، الأصل أنك قاصر، أما إذا “زنقت” واحداً من هذه الفئة في خانة “اليك”، فإنه يلجأ إلى وادي الضحك فيكركر بلا معنى ولا سبب.
وليشعر صديقي بالراحة النفسية، رويت له قصة قديمة مشهورة عن جحا وابنه، وهي قصة فيها من المعاني والعمق الكثير إلى درجة تجعلها شاخصة في الذهن كل يوم.
ذهب جحا وابنه إلى السوق فاشترى حماراً، وفي طريق العودة إلى المنزل أركب جحا ابنه على ظهر الحمار، وصار يقوده، فمروا بجماعة من الناس، قال الناس انظروا إلى هذا الابن المدلل يركب الحمار ويترك أباه الشيخ يمشي على رجليه! أنزل جحا ابنه عن ظهر الحمار وركب هو، فمروا بجماعة أخرى، قال الناس انظروا إلى هذا الرجل ليس في قلبه رحمة، يترك ابنه الصغير الضعيف يمشي على رجليه وهو يرتاح فوق ظهر الحمار! هنا قام جحا بإركاب ابنه معه على الحمار فمروا بجماعة ثالثة، قال الناس انظروا إلى هذا الرجل وابنه ليس في قلوبهم رحمة، يركبان سوياً على ظهر الحمار المسكين، تلفت جحا يميناً ويساراً فلم ير أحداً، فنزل هو وابنه من على ظهر الحمار وصارا يمشيان أمامه، فمرا من أمام جماعة أخرى من الناس، قال الناس انظروا إلى هذا المغفل وابنه يتركان ظهر الحمار ويمشيان على أرجلهما. انتهت الحكاية، ويأتي من يقول أن أصل جحا تركي! الذي يظهر لي أن أصله وفصله من “جماعة الربع” والدليل معاناته، ولو كنت أعلم رقم بطاقة الأحوال خاصته لنشرتها.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط