إذا كان “الطشت” تحدث إلى مطربة عربية، في زمن مضى، داعياً إياها بقوله “يا حلوه يلي قومي استحمي”، فإن حنفية شبكة المياه المحلاة على موعد شبه أسبوعي مع “الشغالة” في السعودية. ومثلما كشفت لنا أغنية “الطشت قُللي” أن للطشت لساناً، وربما له أنف حساس لا يخدعه المظهر الحسن، داعياً للنظافة المحمودة، فلماذا لا يكون لحنفية شبكة المياه لسان هي الأخرى.
دعوة الطشت للنظافة على قدر إمكان استيعابه، فهو طَالَبَ “الحلوة” فقط بالاستحمام ولم يطلب منها أن “يتحمم” أهل البيت والجيران، لأن الماء في “الطشت” قدر معلوم. من هنا يمكننا فهم تحول يوم الخميس كل أسبوع أو أسبوعين إلى “يوم الغسيل العالمي”. ولأن قدرات حنفية شبكة المياه أكبر من “الطشوت”، يتم استحمام البيت و”الشغالة” والجيران حتى آخر شارع في طرف الحي. بالعربي يوم الخميس هو يوم الاستحمام للبشر والجماد، قد يقول قائل “هب يا السمكة”!، فهناك أناس يستحمون فصلياً، لكل فصل من فصول السنة “دُشْ” خاص، وهي فئة توشك على الانقراض، على رغم أننا أحوج ما نكون إليها، بل لا بد لها من جمعية “حماية غير المستحمِّين”، لأن اللجوء للكمام أسهل من فقدان الماء الذي جعل الله تعالى منه كل شيء حي.
يوم الخميس هو يوم الغسيل في كثير من شوارع أحيائنا، سواء تم جلب المياه من الشبكة العمومية أو دفع صاحب المنزل ثمن زيارة سيارة “الوايت”، والسبب المتعارف عليه هو افتراض أن هناك عيناً للبلدية تنام في ذلك اليوم.
خطة ترشيد المياه تقوم على الترغيب باستخدام “النقاص”. معظم أدوات الترشيد التي تقدمها وزارة المياه والكهرباء تقوم على هذه الفكرة. و”النقاص” بلغة السبَّاكين هو قطعة تطول أو تقصر، مهمتها تخفيف جريان الماء من أنبوب كبير إلى آخر أصغر منه. لكن هذه الخطة ركزت على الأنابيب والحنفيات، ولم تقدم “نقاصاً” للأدمغة. كما أنها تجاهلت القوى العاملة المسيطرة في المنازل والمنشآت، فلم تقدم ورقة واحدة بلغاتهم الأم. وتناست الجهة المعنية أنهم من يمسك “بالليات”، ويدير الحنفيات في الغالب الأعم، من دون الترنم بأغنية عن “طشت” أو “سطل” أو أنبوب تحليه المياه.
وعلى رغم أن مشكلتنا مع ندرة المياه تدخل في قائمة “الرعب المائي”، إلا أننا لم نع ذلك الوعي الذي يستحقه. فمنذ لحظة وصول الماء تعود أسطوانة “الطَشت” إلى الدوران. الحاجة ماسة إلى أدوات ترشيد جديدة تركز على العمالة، وتُرغِّب في أساليب نظافة جيدة. بدلاً من “الكب والصب” يمكن المسح. تضاف إلى ذلك حاجة لاختراع قائمة منتقاة من “النَّقَّاصات” تزرع في الرؤوس والعيون لتخفف من جريان طفرة زالت… لكنها لا تزال مسيطرة على الأذهان.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط