“المعاني” في بحر الأماني

أعطني شركة سعودية واحدة تفاعلت مع ما يحدث في جازان كما تفاعلت “أرامكو” مع “كاترينا” و “سابك” مع لبنان! بل أعطني جمعية أو هيئة خيرية واحدة تفاعلت مثلما تتفاعل سابقاً مع ما يحدث في الخارج، أقصد تلك الجمعيات والهيئات “أو بقاياها” التي لديها خبرات خارجية في الإغاثة.
حتى الإعلام المحلي “المتلفز خصوصاً” لم يتفاعل، لكنه يبث عن فيضانات بنغلاديش وموزمبيق ومولود صغير “الباندا” الجديد في حديقة “سنة حلوة يا جميل” الصينية.
ولا يظهر في صورة النجدة سوى أمير المنطقة ومدير الدفاع المدني.
دعوت كثيراً إلى أن يستفاد من خبرات سابقة في العمل الخيري الخارجي بعد انكفائه الاضطراري إلى الداخل، لكن بقي الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر “كتابة معروض” وانتظار اللجان المشكّلة، وهي بالفعل قد تكون “مشكلة”، أين تلك الحماسة والحملات الإعلانية والنشرات التي كنا نجدها في كل مكان إذا ما ألمّ مصاب هناك في البعيد.
الزميل احمد الشعلان تمنى، في أحد مقالاته، أن يرى صورة لمسؤول في “أرامكو” يحتضن مواطناً في قرية نائية من قرانا، وهو يسلمه مفتاح منزل بديل لمنزله المتواضع أو المتهدم. كان الزميل يعلق على صورة لمسؤول في الشركة وهو يبتسم ويحتضن ضحية من ضحايا إعصار “كاترينا”، بعد أن تبرعت لهم الشركة العملاقة. لكن المواطن المتضرر، بل “المعاني” في بحر الأماني، يقبع في أسفل سلم الاهتمام. الشركات الكبرى في بلادنا عينها على الخارج، فهي لا ترى أبعد من أسوار مكاتبها. تقلع العين بالطائرة الخاصة لرؤية البعيد. لقد تشكلت في ذهنية هذه الشركات أن هذه الأرض أرض عطاء وحفر واستخراج. أرض تستقبل سماؤها تلوث دخان المصانع والمصافي، وتنعم أرضها بأكياس البلاستيك التي يفنى الإنسان قبل أن تتلاشى. أما المواطن فالحكومة هي المسؤولة. إنها مسؤولية حصرية، الراعي الرسمي والوحيد، وكأن لا حكومات في تلك البلاد!
لحظة، أنا لا أدعو إلى إيقاف التبرعات الخارجية، معاذ الله. حروفي تدعو إلى إشعار المواطن المتضرر في كل منطقة بأننا معه، بعيداً من البيروقراطية ودهاليزها، دعوتي للشركات “الوطنية”! الكبرى والقادرة أن “تطبّع” علاقاتها مع إنسان الداخل، في الداخل، قدمت “أرامكو” أخيراً تبرعاً من بعض موظفيها… عدداً من “الشناط” المدرسية! تضاف إليها “مسابقة رسوم الأطفال”! و “سابك” لا تختلف كثيراً عنها.
الدعوة، وهي دعوة قديمة لم تجد آذانا صاغية، هدفها تحديد الأولويات! إذا حددت شركات كبرى أولوياتها، كما سبق، فكيف لنا أن نطالب شركات يملكها أفراد بأن تفعل ما لم تفعله شركات ينظر إليها كقدوة! يظهر أنه لا بد من الكتابة بلغة الإشارة!
أما الجمعيات الخيرية “فخليني ساكت”.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.