كائنات شمسية…

من شدة الحر يفكر صديقي، وهو يقضي ذروة الصيف في الرياض بأن يطبخ في الثلاجة! بل إنه في أوقات الظهيرة يحذّر من رفع يديه فوق رأسه لإصلاح غترته وعقاله، خوفاً من أن تلامس أصابعه خيوط الشمس الحارقة، في حين يقول لي العامل الهندي كل يوم “شمس كثير”، حيث تهطل أشعتها بغزارة على رؤوس سكان الرياض، وترسل موجات “تسونامي” من اللظى واللهيب، يخال للمرء معها أن الدماغ على وشك الغليان، فيما يستقر الصهد في الصناديق الأسمنتية، ليكمل ما بدأته أشعة الشمس طوال النهار، فيقدم ليلاً مخزونه الحراري المتراكم ليصفق الوجوه المعروقة، هذا الارتفاع في درجة الحرارة تجاوب معه التجار برفع الأسعار، فأصبح السكان يعيشون أوقات ذروة الذروة في كل لحظة.
ومع توافر نعمة التبريد والتكييف إلا أنها تنهزم أمام قهر الشمس الذي يستقر في العظام، فلا تسمع منها إلا الوشيش، ولك أن تتخيل أوضاع من يعيش من دون تكييف وتحت صهد أفران “صنادق الشينكو”.
 ويشعر أهل الرياض أن الشمس باتت أكثر قرباً منهم إلى درجة اللقاء بالأحضان الساخنة، يكادون يتحولون إلى كائنات شمسية، حتى إنني لن أستغرب أو أتعجب لو شاهدت شخصاً مضيئاً في الليل.
ويذكر الأكثرية أن فصل الصيف هذا، هو الأكثر سخونة مقارنة بأعوام سابقة، ومن النادر أن تجد راجلاً لا يحمل قارورة ماء تسخن بعد لحظات، لم يعد أحد يصدق مؤشرات الحرارة، ربما هي تخضع للمواصفات والمقاييس المحلية وحدد لها سقفاً معيناً لا تتجاوزه.
ومع موجات الحرارة غير المسبوقة، ما زال سكان الرياض يرتشفون الشاي الساخن والقهوة المرة الساخنة”، ويصرُّون عليك بفنجال، ويأكلون الكبسة الساخنة، ويصرُّون على أن “تنطح فالك” ويقفون منتظرين خبزاً ساخناً أمام أفران “التميس”، لتغمس بفول ساخن، وهو ما يؤكد وجود علاقة “جينية أو جنية”! بالسخونة.
ومنذ فترة وهناك مطالبات بتقنين أوقات العمل، خصوصاً لعمال الميدان الذين يعملون في النظافة والأشغال العامة، وأشهد أن بعض عمال البلديات” غير النظافة” يبدأون العمل بعد صلاة الفجر إلى الساعة العاشرة أو الحادية عشرة صباحاً، أما سيارات النظافة التي تعمل في الحي الذي أسكنه فهي تصل بعد منتصف الليل. هذه من الحقائق، وعلى رغم هذا ما زلت أرى بعض عمال نظافة راجلين يعملون في أوقات الذروة، من هنا أضم صوتي لصوت كل مَنْ طالب بتوقف الأعمال الميدانية أوقات الذروة لهؤلاء الضعفاء، والأمر في تقديري لا يحتاج إلا إلى قرار من الجهات المشرفة على أعمال تلك الشركات. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. اللهم الطف بنا.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.