انعم الله عليه بالمال وزاده معه سمعة في عالم التجارة، هذه هي حال صديق لي، دعواتكم معي أن يبارك الله تعالى لنا وله في ما رزقنا، حدث له هذا في سنوات قليلة، سألته في لحظة صفاء ما الذي تغير في حياتك؟ ومن الإجابة بدأنا في مشوار الدهشة، اكتشف صديقي أن ابتسامة أصحاب الأموال له صارت أوسع وأعرض من قبل، حتى ظهرت الأنياب، وأصبح الاستقبال له يتم بالأحضان، وازداد عدد دعواته للولائم وعروض الشراكة وتأسيس الشركات، ويستغرب صديقي أن هؤلاء أنفسهم لم يكونوا ينظرون إليه في السابق بشيء من الاهتمام، بل كانوا يبالغون في إظهار الإعراض عنه على رغم انه كان من رجال الأعمال المحسوبين، في الجانب الآخر لم يتغير تعامل الناس العاديين معه، بل بقوا على ما كانوا عليه، وبعضهم أصبحوا يتحرجون من التواصل معه، وقلت له إن الريال يلاحق الريال في حرص بالغ على صلة رحم لا يمكن وصفها، الريال كائن اجتماعي يحب “التبشيك” مع أقرانه، ولا يرضى بالوحدة، فهو يفر منها مثل فرار الأسير من الأسر، لذلك يبقى المفلس مفلساً ويزداد الثري ثراء، وقلت لصديقي مثلاً شعبياً بليغاً يقول: من “حبك على شيء أبغضك على فقده”، على رغم أنه من الذكاء بحيث لا تغره الابتسامة الصفراء.
ولأن الدنيا تدور وفي حال مختلفة عانى صديق آخر من وحشة العلاقات والتقدير، لأنه ترك عملاً مميزاً فاعتقد بعض من حوله أنه انتهى، خصوصاً أن بحثه عن عمل في المجال ذاته المحتكر لم يحالف بالتوفيق، وكان يشكو من أن أصدقاء الأمس بل وتلاميذه ورؤساءه السابقين غيروا أسلوب تعاملهم معه، إما بالصد والتملص أو بعمل الدسائس والإشاعات التي تقطع كل طريق جديد محتمل، فكان أن انزوى وابتعد عن الحياة العامة، ثم دارت الأيام و”طبلونها” في زمننا هذا أسرع من الأزمان الماضية، وحصل على مكانة جديدة فانقلب الحال وانهالت المكالمات على جواله، وأصبح المعرضون عنه بالأمس يطلبون ودّه ويمدون إليه يد الوصل، فسبحان الذي يغير ولا يتغير، والمال زينة الحياة الدنيا، والسعي لكسب الرزق مطلوب، والحث عليه معروف ومشهور، لكن أن يكون هو الهاجس الوحيد والمسيطر والمستحكم في العلاقات الإنسانية فهذا أمر مرفوض، لكنه في واقعنا الحالي أمر مفروض، بل انه يتحول لدى البعض، خصوصاً ممن يملكونه أكثر من غيرهم إلى القيمة الوحيدة والأساسية وهو المؤشر الذي “يتطامرون” بارتفاعه، وهو الذي يحدد ابتساماتهم وحسن أخلاقهم مع من حولهم. اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا… اللهم آمين.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط