الرأي العام

راهن كثير من السياسيين العرب وحتى بعض المحليين والمراقبين على الرأي العام العالمي، فترة زمنية طويلة، انشغلوا بالقدرة على التأثير في هذا الرأي العام، بالديبلوماسية والجولات وتجملوا لأجله، وفي دواخلهم ما اعتقد أنه آمال أكثر منها توقعات مدروسة محسوبة، ولم يقدم الرأي العام العالمي شيئاً يذكر طوال عقود، اللهم إلا بعض المظاهرات وتشكل حركات للسلام، وهي حركات ضعيفة لم تنتج تيارات سياسية فاعلة في محيطها، في المقابل، راهنت الدولة الصهيونية على المشاركة في صنع القرار السياسي من داخل الدول الكبرى، واستطاعت توظيف الساسة الطامحين وما يسمى بمراكز البحوث والدراسات وكذلك الإعلام المؤثر التوظيف الأمثل، والنتائج أنها في تقدم حثيث وصل إلى الذروة، مع دعم متواصل لا يكل ولا يمل من السياسة الأميركية والبريطانية في المنطقة، والذروة كشفها مؤتمر روما، وزير صهيوني يقول تعليقاً على نتائج هذا المؤتمر، إنه قدم تفويضاً لإسرائيل لمواصلة حربها على لبنان، فلسطين هنا تختفي وراء لبنان، هي النسخة القديمة للصورة المتجددة في لبنان، وهو يقول الحقيقة التي لا يريد بعض منا الإنصات إليها، ويراوغ بعض آخر بالسخرية من إيمان العرب بنظرية المؤامرة.
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى مراهنات البعض على تغير يذكر في الرأي العام الإسرائيلي! تارة بذريعة احتمال، عدم قبوله بمستوى معين من الخسائر، وتارة أخرى باحتمال تحرك قوى السلام الضعيفة في داخله، وتأتي الاستبيانات لتقول إن 80 في المئة من الصهاينة يؤيدون استمرار الهجوم الإرهابي على لبنان، ومن الطبيعي ألا يوصم هؤلاء بتهمة الإرهاب، إنه هنا حق الدفاع عن النفس، استناداً إلى القاموس الأميركي خصوصاً والغربي بوجه عام.
هكذا وصلنا إلى المراهنة على الرأي العام في كيان العدو، السبب أن العرب لم يعملوا في دهاليز السياسة الأميركية والغربية كما يجب، ففي الوقت الذي تدفع فيه إسرائيل وجوهاً جديدة داعمة لها في واجهة هذه السياسة، يحتفي العرب بالمتقاعدين المهمشين من الساسة الغربيين غير المؤثرين، ممن انتهت صلاحيتهم السياسية.
ولا يقوم العرب دولاً ومنظمات باستقطاب الكفاءات العربية والإسلامية الموجودة في أميركا والدول الغربية، لصناعة قوى مؤثرة منها، على رغم القدرات المتوافرة والمصالح المشتركة العريضة مع المجتمعات الغربية التي يمكن الانطلاق منها، يستمر وضع عربي مثل هذا، على رغم أن إسرائيل تقدم خطة عمل نجحت بامتياز في اختطاف السياسات الغربية وتطويعها لمصالحها، لا يرى أحد إمكان تطبيق هذه الخطة عربياً! بدلاً من ذلك ينتظر بعض آخر نتيجة المراهنة على الرأي العام الإسرائيلي، أليس ذلك نتيجة طبيعية لعدم الاعتراف أصلاً بالرأي العام العربي.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.