ليس لنفاق السياسة الأميركية في المنطقة مثيل، بل إنها وصلت إلى أقصى الحدود: تعلن عن شعارات وتفعل عكسها تماماً. بعد ظهور نتائج حقوق الإنسان في العراق بجهود أميركية، يرسل بوش مساعدات إنسانية إلى لبنان، وقنابل ذكية لإسرائيل لقتل أطفاله ونسائه! وفي مشهد آخر من مسرحية الدم بإخراج أميركي، يعتذر رئيس القوة العظمى من رئيس وزراء بريطانيا لاستخدام طائراته المحملة بالقنابل والأسلحة المرسلة لإسرائيل، مطارات في بريطانيا، بعد الاعتذار تعود هذه الطائرات للهبوط مرة أخرى.
وتعلن السياسة الأميركية الخارجية أنها تقود “الحرب على الإرهاب”، وهي ترعاه وتزود طائراته بالقنابل، وتمدد الوقت للقتل والتهجير. هذا الانحياز الفاضح، والنظر بعين عوراء للمجازر في “قانا” وغيرها، ليس موجهاً ضد العرب فقط. ففي حادثة قتل القوات الصهيونية لمراقبي الأمم المتحدة اتخذت الموقف نفسه، وعرقلت حتى الإدانة، إنها إسرائيل المعصومة.
الولايات المتحدة تقول، من خلال مواقفها، إنها مع إسرائيل ضد العالم أجمع، وإذا أحسنّا النية في الولايات المتحدة، بلد الحريات وحقوق الإنسان، لا يمكن الفهم إلا بالقول إن سياساتها الخارجية مختطفة، وهي لا تسأل نفسها عن دعهما اللامحدود للدولة الصهيونية، وماهية نتائجه المتوقعة! من الواضح أنها قرأت التاريخ المعاصر فوجدت أن أقصى موقف سيتخذ هو الاستنكار.
إن نقد سياسة الولايات المتحدة الخارجية في المنطقة، وتعريتها وفضحها لم يحقق فائدة عملية تذكر، اللهم إلا في إبقاء هذه الحقائق ماثلة وراسخة في الأذهان وهو أمر مهم. والأهمية تأتي لمواجهة مشاريعها بواجهاتها اللامعة، لكن الواجب على السياسة العربية هو العمل المؤسس والمخطط له داخل الولايات المتحدة. وفي كل حقبة رئاسية أميركية يلاحظ المراقب أنها تصبح أكثر انحيازاً وحماية للغطرسة الصهيونية، وفي هذه الولاية الأميركية أصبح الاتفاق الاستراتيجي بينهما محل التنفيذ المعلن على الأرض، وهو ما يشير إلى أن العمل العربي السياسي داخل الولايات المتحدة فشل فشلاً كبيراً، هذا يستدعي من الساسة العرب الغيورين درس أسباب الفشل والعمل على إعادة النظر في تلك الجهود لتحقق بعضاً من النجاح المطلوب.
السياسة الأميركية الخارجية تنظر إلى العرب كما كان أسلافها المهاجرون المستوطنون ينظرون إلى الهنود الحمر. وباستمرار هذا الوضع، وركون العرب إليه، لن يقبل منا الأميركي السياسي ومن ورائه الصهيوني إلا أن نكون الهنود الحمر في القرن الـ21.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط