حلم أميركي أم كابوس؟

كان ديدن السياسة الخارجية الأميركية في التعامل مع المقاومة الفلسطينية هو المقاطعة والإدانة ووصمها بالإرهاب. وكان هذا التوجه في السابق يزبد ويرعد، أحياناً، لأن هجمات هذه المقاومة طاولت المدنيين الإسرائيليين. ولهث وراء هذه السياسة مدافعون عنها من أصحاب الأقلام في الإعلام العربي، فكتبوا وسخروا واستخدموا طريق الاتجاه المعاكس إلى ما شاء الله.
وقبل أن تعطي السياسة الخارجية الأميركية الضوء الأخضر لجيش الإرهاب الإسرائيلي لمحاصرة المدنيين في لبنان وتهجيرهم وقتلهم، كانت صامتة عن قتلهم في فلسطين. المدنيون العرب في هذه الحالة هم دائماً إرهابيون تجوز ملاحقتهم وقتلهم وتدمير منازلهم على رؤوسهم بالطائرات الأميركية الصنع. ومع تركيز الإعلام على الاعتداءات الصهيونية على لبنان يُقتل المدنيون بالجملة في العراق، إما بفعل فرق الموت المتعددة الجذور، أو بفعل القوات الأميركية. وأي شخص عراقي يتلقى رصاصة أميركية في صدره إرهابي. استقرار الرصاصة دليل دامغ! أما إذ أُثبت أن المغدور طفل أو امرأة هنا يتم الحديث عن أخطاء فردية لا يجب تعميمها على القوات الأميركية صاحبة الأخلاق الرفيعة. عندها تقوم تلك الأقلام بالتخفيف والمطالبة بعدم التضخيم والسخرية من العقول العربية الغارقة في نظرية المؤامرة.
لا يعتبر الإعلام الغربي والأقلام التابعة له المقتولين في العراق ولبنان وفلسطين مدنيين لا يجوز قتلهم. ذلك الإعلام  يصمت أو يقفز إلى مواضيع أخرى. إنه لا يرى تلك الأجساد المكومة ولا ينظر إلى تلك الجموع المذعورة.
يشتد القتل على الهُوية في العراق، ويخفف رئيس الوزراء العراقي من ذلك بقوله إنه يستبعد نشوب حرب أهلية، وعلى رغم أنه كان جريئاً في لحظة من اللحظات، وأعلن أن بعض الأجهزة الأمنية العراقية الرسمية ضالعة في القتل، على رغم هذه الجرأة، إلا أنه وحكومته لا يعملان لوقف مسلسل القتل للطائفة السنية والتهجير، مع أن السلطة بيده.
حديث المالكي عن استبعاد الحرب الأهلية في العراق صورة أخرى لاستبعاد رايس توافر الشروط لوقف إطلاق النار في لبنان. هنا وهناك حاجة إلى بعض الوقت!
تهجير وقتل في لبنان، وتهجير وقتل في العراق، التفاصيل واحدة والراعي الرسمي أيضاً قوة واحدة، وهذه هي تباشير “الشرق الأوسط الجديد” على الطريقة الأميركية. إنه شرق أوسط طائفي بامتياز، ولا يعلم المتطرفون طائفياً من وراء المايكروفونات أو المنتديات أنهم ذخيرة في يد أميركا وإسرائيل، يصرخون مدفوعين بضيق أفق لا محدود.
العراق بوضعه الحالي هو أول حلقة في “الشرق الأوسط الجديد”، وهذا المشروع هدفه تفجير المنطقة طائفياً. ومَنْ يعتقد أو يحلم بأن السياسة الأميركية تطمح إلى استقرار المنطقة واهم. إنها “الفوضى الخلاّقة” التي لا تُبقي سوى سيد واحد متماسك يتلاعب بالجزر الصغيرة المتناثرة المتناحرة من حوله.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.