إعلام ضعيف أم متكلس

يقال إنه موجود! أقصد إعلامنا الخارجي، وهو غير محصور بالوكالة التي يطلق عليها هذا الاسم في وزارة الإعلام، بل أقصد به كل جهة لها علاقة بالإعلام الخارجي بشكل مباشر أو غير مباشر.
أين هو هذا الإعلام الخارجي مما تتعرض له المملكة من محاولات التهميش والتجريح، ومن الفعل المؤسس القائم على التخطيط؟ إنه موجود شكلاً، غير موجود فعلاً وأثراً. لا يزال على الوتيرة نفسها منذ عرفناه.
وألحظ – مثلما تلحظون – الهجمة الإعلامية الشرسة على سياسة المملكة الخارجية، والمحاولات المستميتة التي تخطو خطوات إلى الأمام وتكاد تحقق النجاح، لتهميش هذا الدور، بل تغيير الصورة الحقيقية لمواقف هذا البلد، وتجاوز ذلك للتحرش بقضاياها الداخلية.
عوّدتنا حكومتنا أنها اليد الممدودة دائماً إلى الدول العربية والإسلامية، وعوّدتنا أنها داعية السلام حضاً وعملاً، وديبلوماسيتها مشهود لها بالجهود الضخمة في هذا الجانب، يراها المنصف لو توقف برهة وتبصر. هذه المواقف معروفة، وفوقها الدعم المادي الأكبر والأبرز، فهي صاحبة المبادرة دائماً، طوال عقود من القضايا التي واجهتها المنطقة. كل هذا الرصيد في خطر. والأكثر خطورة هي محاولات التشكيك والإلغاء.
 وفي مأساة لبنان الشقيق الجريح، الذي يقف معه المواطن والحكومة في السعودية، أدهش من محاولات التعتيم، وقلب الحقائق، وتهميش الرصيد الضخم منذ ما قبل اتفاق الطائف. وإذا نظرت إلى الدعم المالي المقدم من قبل الحكومة السعودية لمداواة الجرح اللبناني، بعد أيام من اعتداءات جيش الإرهاب الصهيوني، تجد أن له شرفَ المبادرة بداية، وشرف الأولوية في الحجم والنوع، ومع ذلك لا ترى له أثراً يذكر إعلامياً هناك، في كثير من القنوات اللبنانية، بل تجد أثراً مدوياً لمؤتمر صحافي يعقده مسؤول في دولة عربية عرفت بشطحاتها السياسية، فيحتل كل القنوات الفضائية، على رغم أنها، سياسياً، استفاقت بعد العدوان بأسبوعين! تجد وأنت في غاية الدهشة أن الذين يقدّمون الكلام والتصريحات، و”الوقوف إلى الجوار بكامل الإمكانات”، هم الذين يحتلّون الواجهة الإعلامية، مع أنهم لا يقدمون سوى الكلام، في حين توضع بلادنا في موقع الاتهام، بل إن اليد الممدودة أصبحت لديهم تحصيل حاصل، يجرى تهميش جهودها والتعتيم عليها.
إننا بحاجة ماسّة لإعادة تقويم إعلامنا الخارجي. وضعه الحالي أقرب إلى التكلس. فهو إعلام ليس له حضور فاعل حقيقي، ولا وجود مؤثر، لهذا تذهب الجهود والمواقف أدراج الرياح، ولا يصل إلى المستهدفين من الشعوب سوى غث الكلام المزيف.
تطوير هذا الإعلام أمر حاسم، وإعادة النظر في أساليب قديمة متناثرة بين عدد من الجهات، ثبت عدم جدواها لنا منذ حرب تحرير الكويت. أثبتت لنا تلك الحرب أن الفعل الحقيقي هو فعل المؤسسات المرنة المتطورة التي يديرها الأبناء المُؤْمِنُون بما يفعلون، وأن المراهنة على “الشنطة” الإعلامية من هنا وهناك كانت نتائجها في أفضل الأحول فاشلة بامتياز، لكننا لم  نستفد من تلك التجربة المريرة… فهل نستفيد هذه المرة؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.