“بلّه وأشرب مويته”!

دول مجاورة لا تملك الإمكانات، مقارنة بالسعودية، بدأت منذ فترة في استخدام بصمة الإبهام وتصوير بصمة العين في المنافذ، ونحن ما زلنا نراوح مكاننا، كأننا نريد اختراع نظام أو أجهزة خاصة بنا!
كتبتُ قبل فترة عن العامل المتهم بقتل كفيله، واستطاع الهرب من محافظة المجمعة، مروراً بالرياض، ليقفز إلى مقعد على الطائرة من مطار الملك عبدالعزيز الدولي، من دون جواز سفر. تمكن هذا العامل من الهروب بتلك الطريقة، وهو لم يمكث في البلاد إلا أياماً معدودة. كان هذا خبراً نشرته “الحياة”، ولم نقرأ أي تعليق من الجهات المختصة.
بعد ذلك بأيام نشرت صحيفة “الرياض” حكاية أخرى: ثلاثة عمال من الجنسية الهندية متهمون بسرقة 700 ألف ريال من كفيلهم. إلى هنا والقصة عادية! لكنهم يستطيعون الهروب إلى بلادهم من دون جوازات سفر أيضاً! وكأنهم يقولون “تأخذ الجواز بلّه وأشرب مويته”. وفي القصة الجديدة تكرار لقصص قديمة، يستغرب المتضرر المواطن محمد مطر الشمري من أن جوازاتهم موجودة في السفارة في الرياض، وتزداد دهشته، لأنه اتبع التعليمات في وقت مبكر، قدّم بلاغاً، فقيل له قدّمه في المركز القريب إلى موقع المؤسسة، فقدّمه بعد ساعات من الحادثة، وأنصت إلى النصيحة وقام بالإجراء السريع، ودليل الإجراء السريع يقول “ما حك جلدك مثل ظفرك”، لا بد من أن تلاحق قضيتك بنفسك حتى لو كانت أمنية. تقديم البلاغ وحده لا يعني شيئاً. اتبع المتضرر الإجراء السريع، وسافر إلى جدة وقدّم بلاغاً إلى إدارة الترحيل بالجوازات في محافظة جدة، بعد ثلاثة أيام اتصل به الهاربون من الهند ليبلغوه بأنهم وصلوا بالسلامة إلى ديارهم، وطمأنوه إلى أنهم ابتاعوا سيارات بالمبلغ.
يا ترى… ما قيمة البلاغات التي يقدمها المتضرر؟ كنا ننتقد عدم الاهتمام بالبلاغات عن سرقات السيارات وتطوّر الأمر إلى ما هو أعظم، غالباً يقع ما نخاف منه ونحذر لئلاّ يقع! هذه الثقوب السوداء من أين أتت؟ ومن المسؤول عن استمرار وجودها؟ وما الأخطار المحتملة منها؟
أوجه السؤال إلى المسؤولين، وفي مقدمهم سعادة المدير العام للأمن العام، وسعادة المدير العام للجوازات. أقول: أولاً، كيف يحدث هذا؟ ومن هو المسؤول عنه؟ وما الإجراءات التي اتخذت ونحن نشهد تكراره؟ ثم أسأل: هل هناك اتفاقات لتبادل المجرمين مع الدول التي تكثر جنسياتها في بلادنا؟ وإذا لم تتوافر، لماذا لا يُعْمَل بسرعة على إنجازها؟ وإلى أي حد تمكن الاستفادة من “الإنتربول”؟ إلا أن السؤال الأهم هو: ما حقيقة هذه الثقوب السوداء التي ينفذ منها هؤلاء في أيام معدودة؟ ومتى يتم “لطسها”؟ لأن البلاغ لحق بالجواز ويَصْدُقُ عليه قولهم: “بلّه واشرب مويته”!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.