“غمّضوا”

للسفير البريطاني في المنامة قلب مرهف جداً! بل إنه “حنين كثير” إلى درجة الجرأة بمطالبة الصحف البحرينية بإيقاف نشر صور الحرب الهمجية الصهيونية على لبنان، كأنه يقول: “أغمضوا أعينكم”. والتغميض قد يأتي بسبب هول الصدمة وقد يأتي، رغبة، في عدم تشويه الذهنية بمزيد من الصور المفجعة!
كان لدى السفير إمكان عدم قراءة الصحف العربية، والبحرينية خصوصاً، وعدم مطالعة صور قتل الأطفال والنساء والدمار في لبنان بآلة الحرب الصهيونية، لكن قلبه حريص على المحيط الذي يعمل فيه، امتشق قلمه وحرّر خطاباً يطلب فيه من الصحف عدم نشر الصور الدموية! حرية النشر يجب إيقافها، لأنها لا تخدم السياسة البريطانية الداعمة للدولة الصهيونية منذ وعد بلفور. إنها تؤجج الشارع. كما أنها تسبب أضراراً نفسية، فما دمتم غير قادرين على المواجهة أوقفوا الصور إلى أن تنتهي المهمة الأميركية البريطانية الصهيونية، الإرهابية في لبنان. نحن نعمل لشرق أوسط جديد لا يُسمح فيه إلا بالصور الجميلة، صور الدولة الصهيونية الديموقراطية، واحة الديموقراطية في عالم الديكتاتوريات الشمولية، صور المستوطنين الصهاينة الخائفين، أما صور أطفال الصهاينة وهم يكتبون رسائلهم على القنابل والقذائف إلى أطفال لبنان، فهي ليست تربية إرهابية، بل “دفاع عن النفس”. أما جثث الأطفال تحت الركام فهي صور غير مفيدة وغير صالحة للنشر بحسب قانون حرية الشرق الأوسط “الجديد”.
الانتقائية السياسية الغربية ممثلة في الولايات المتحدة وبريطانيا هي أيضاً انتقائية إعلامية، تحدد بصلف وجرأة فاضحة فاقعة، ومن دون ذرة خجل، ما يُنشر ولا ما لا يُنشر في صحف دولة ذات سيادة.
قدّم جيل صهيون الجديد هداياه إلى الأجيال العربية المقبلة، أرسلها وأرسل مزيداً منها لتستقبلها الضحية وهي تحت الركام. إنه تعبير عن نظرته إلى المستقبل، وهو أيضاً إعلان عن حقيقة خيار السلام والتعايش الصهيوني. إنه التعايش السلمي تحت ظل قذائفنا وجيشنا الذي لا يُقهر، والعرب لا يملكون سوى نشر صور قتلاهم ودمار منازلهم وطرقاتهم، حتى هذه الحرية البسيطة مطلوب إيقافها. قد يُرْفِق سعادته مع خطاب المنع تقريراً طبياً يوضّح الأخطار النفسية على الأجيال الفتية. يجب أن تكون أجيالاً مطواعة بذهنية صافية لا ترى سوى الضباب في عاصمة الضباب.
لا يمكن أن تتوقع من سفير لبريطانيا أكثر مما تتوقع من رئيس وزرائه، إنسانياً وأخلاقياً هم في وضع حرج، لكنها السياسة البريطانية التي لا علاقة لها بالإنسانية والأخلاقية، هي نفسها الملتزمة بوعد بلفور، ومع ذلك “غمِّضوا”، ألا تريدون أن تصبحوا مثل اليابان؟ استسلِموا، خذوا من الوعود عن الجهود الزائفة ما شئتم، لكن أوقفوا هذه الصور، ولاحقاً أوقفوا الكلمات. أقفلوا أفواهكم مثلما فعلتم بأعينكم.. اصمتوا.. ستقودكم إسرائيل بطائراتها القاذفة وقنابلها الفسفورية إلى أن تكونوا مثل اليابان برعاية أميركية – بريطانية.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.