المغلوبون على نصرهم

يتكرر هذا المشهد: رئيس عربي يلقي خطاباً حماسياً في جمع من الناس، ثم  يقاطعه فرد منهم، ليلقي قصيدة عصماء أو خطبة أثناء الخطاب، يكيل فيها المديح لخصال الرئيس، ونهجه العظيم. عندما أرى هذا المشهد أتذكر مشاهد مماثلة كان إعلام صدام يتحفنا بها، ولا تنتهي إلا بنشيد “التصنيم”… بالروح بالدم نفديك يا… ثم تظهر صورة حفرة سحيقة يتكوم  في قعرها الشعب مع الرئيس.
بعد وقف الأعمال العدائية على لبنان انغمست الأكثرية في النقاش، بل الجدل حول هل انتصرت المقاومة اللبنانية؟ أم الجيش الصهيوني؟ هذه القضية، إن جاز التعبير، تستهلك وقتاً وجهداً أكبر وحماسة منقطعة النظير لدى العرب “المغلوبين على نصرهم”.
أما في الدولة الصهيونية فتجري الآن محاسبة عسيرة للحكومة، ممثلة برئيسها ووزير دفاعها ورئيس أركانها. هذه المحاسبة تهدف إلى معرفة نقاط الضعف، ولماذا لم يتم تحقيق كل الأهداف؟ ولماذا حدثت خسائر هنا وهناك؟ أما في الجانب اللبناني فإن المحاسبة تنصب جلها على من يقول إن المقاومة لم تنتصر! والتهم جاهزة أقلها الانهزامية. في الجانب اللبناني لا يجري الحديث بالحماسة نفسها للإجابة عن السؤال: لماذا يستمر لبنان بهذه التركيبة السياسية المتنازعة تحت وهم ديموقراطية شكلية؟ وما مستقبلها المنظور يا ترى؟
الجانب العربي لا يختلف كثيراً. هو يكرر نفسه في مشهد مستنسخ آخر، فلا يجري الحديث عن شيء سوى خيار السلام! يصرح رئيس وزراء آخر دولة عربية وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل بأن عملية السلام لم تمت! ضع ما شئت من نقاط التعجب. نتذكر نعي الأمين العام للجامعة العربية لعملية السلام وخطط طرقها المتعرجة. ولا ينظر أمثال ذلك السياسي إلى ما فعلته الدولة الصهيونية بكل خطط السلام، وآخرها المبادرة العربية. القصف الصهيوني الوحشي لبيروت كان أيضاً قصفاً متجدداً لهذه المبادرة، التي أعلنت تحت سقف أحد مبانيها. لا ينظر أمثال ذلك السياسي إلى موت “اللجنة الرباعية”، وشلل مجلس الأمن، وهيئة الأمم المتحدة، وانحياز يخجل كل أميركي حر من موقف “القابلة” التي ادعت أو دعت يوماً إلى “ولادة” دولة فلسطينية مستقلة.
الفرق بين العرب والصهاينة هو في المحاسبة. إنهم يحاسبون ساستهم، ويستفيدون من أخطائهم، ويعيدون النظر في توجهاتهم، أما العرب فهم قابعون تحت.. هناك… في زاوية يتصببون عرقاً من الجدال، إما حول نصر مزعوم وسط الركام والأشلاء، أو في إحياء عملية سلام ثبت أنها جنازة أزكمت رائحتها الأنوف.
فشل السياسة العربية مُرَكَّب. ممنوع محاسبتها. لذلك يبقى الوضع العربي على حاله الواهنة، في حين تطور الدولة الصهيونية نفسها، وتسد ثغراتها، وتعيد تجهيز جيشها الإرهابي بأسلحة أحدث وأبعد مدى.. ثم تضع خططاً لكل احتمال.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.