مجاملات مقابل مزايدات

تأسست العلاقات بين الدول العربية على مبدأين: المجاملة والمزايدة. دول تجامل، وأخرى تزايد. وداخل هذه المزايدة خيوط ابتزاز تتجلى مرة بوضوح، وتختفي مرات، تحت ركام التصريحات المنمطة، عن تطابق وجهات النظر، والأواصر المتينة والمصير المشترك. وعلى رغم أن “المصير” المشترك اتضح أنه “مصير” أعور إلا أن تلك العلاقات استمرت على هذا النهج.
 وقبل سبع أو تسع، سنوات لم أعد أتذكر، توقفت مرة أمام تصريح لمصدر سعودي، قال آنذاك إن عصر المجاملات في العلاقات العربية انتهى. ومرت السنون ولم يتغير شيء يذكر. بقيت المجاملات تتراكم في مواجهة المزايدات. وليس سراً أن دول الخليج العربية، وفي مقدمها السعودية، على رأس دول المجاملة العربية – العربية، وإذا استثنينا قَطَر، فإن الأمر ينطبق على معظم دول مجلس التعاون. ففي حين نراها بوضوح في السعودية والإمارات، نجدها أخف وتيرة في الكويت، وتصل إلى أقل حد لها في سلطنة عمان.
ومن ألاعيب السياسة العمل برأسين أو ثلاثة رؤوس: دولة واحدة تعمل برأسين. هذا من أدوات المزايدة والمناورة السياسية. واستثنيت قطر من دول مجلس التعاون في عرضي لدول المجاملة، لأنها استحدثت رأساً ثانياً يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، إلى جوار رأسها الرسمي، أقصد به قناة “الجزيرة”.
وكان المواطن في الخليج والسعودية، على وجه الخصوص، يتوقع أن تتم الاستفادة من الدروس السياسية البليغة لتداعيات غزو الكويت، ومن ثم تداعيات حرب تحريرها، ولكن لا يظهر أن أحداً اهتم بتلك الدروس. لذلك يتكرر المشهد، فيتم التعامل مع بعض الدول بـ “حَبّ الخشوم”، بأكثر من رأس و “خشه”. من هنا لا يستغرب المرء تصريحات وزير الإعلام السوري، التي يؤكد فيها متانة العلاقة مع السعودية ومصر… ألخ، اسطوانات المجاملة الاستهلاكية المعهودة! يقول هذا بعد أقل من 24 ساعة من تصنيف رئيسه للرجال بـ “أنصاف الرجال”.
دول الخليج العربي “الحلوب”! ليست في حاجة إلى تأجيج التراشق الإعلامي. إنها في حاجة إلى إعادة صياغة جذرية لعلاقاتها العربية. من الواجب الوطني على حكوماتها أن تعيد صياغة هذه العلاقة، حتى تكون أكثر عملية وفاعلية. والأهم أن تكون هذه العلاقات مبنية على المصلحة الوطنية، ثم أن تكون علاقاتها مع الشعوب العربية بدلاً من الأنظمة، خصوصاً في نهجها للمساعدة والتبرع المالي.
تخيل أن دول الخليج العربي، وفي مقدمها السعودية، بلا نفط ولا وفرة مالية، أو سوق توفر فرص العمل للآخرين، هل سيلتفت إليها أحد؟
لقد ثبت منذ أيام غزو الكويت إلى عهد حرب إسرائيل على لبنان أن المساعدات المالية الضخمة لم تؤثر في الشارع العربي، لأنها ذهبت للأنظمة، أو مجموعات استأثرت بها. فهل تعيد دول “المجاملة” صياغة علاقاتها، وتضع الأولوية لمصلحة مواطنيها وبلادها وتتوقف عندها؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.