حلقات مفرغة

الكل يشتكي البيروقراطية، وربما يكون الشاكي ترساً كبيراً في ماكينتها. وما زال كثير من الموظفين ينظرون لمن يراجعهم باعتبار انه “محتاج أو منقطع”. بعضهم يتعامل معه مثلما يتعامل مع متسول، يشك في أنه عضو في عصابة تسول لا تصح له الصدقة!
نحصل من هذا النقد على جدل غير مفيد. المراجع يشكو، والعلاقات ترد… وهكذا. والاقتراح أن تقوم كل جهة حكومية بالاتفاق مع وزارة الخدمة المدنية بتعيين يوم من كل شهر، اسمه “يوم المراجع”، لتثقيف الموظفين، بهدف الوصول إلى أنه لولا وجود المراجع لما كانت هذه الوظيفة. يوم للمراجع من كل شهر، يذكّر الموظف فيه أن “الدين المعاملة”، وأن خير الناس أنفعهم للناس، وأن الدال على الخير كفاعله، وأن أساس واجباته الوظيفية هو الخدمة الحسنة للمراجعين، وتلبية حاجاتهم، وأن الملك يحثّ في كل سانحة على تسهيل حاجات الناس ومساعدتهم. فلماذا يتبخر كل هذا الثراء؟ أعتقد أننا نشكو من فقر مدقع في الأفكار الجديدة. “لا تحرك ساكناً” هي الشعار الذي يضعه الكثير من كبار البيروقراطيين في أذهانهم، لذلك يبقى الوضع على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى الصحف، إن لم يكن يعرف أحداً هناك!

بإحساس إنساني رفيع، كتب لي أحد الإخوة القراء، يطالب بطرح أوضاع ذوي الدخل المحدود، ويشير إلى زميل له في الوظيفة، راتبه ينتهي بعد عشرة أيام لقلته، مع تزايد حاجات الناس، وارتفاع الأسعار. فمن زيوت السيارات التي ارتفعت أسعارها 30 في المئة، إلى طبق البيض وأكياس البلاستيك، لم يسلم شيء. تذكرت صندوق الفقر واستراتيجيته، وانتهيت إلى أنه أصبح صندوق “القفر”، والجميع يعلم ما هو “القفر”؟ سواء باللهجة العامية أو بالفصحى!

مع عودة المدارس، اليوم هو أصعب أيام المرور في السعودية، وفي العاصمة الرياض، لا بد لكل من يخرج صباحاً من أن يحسب ألف حساب لسائقي “الكاميكازي”، الذين لا يوقفهم شيء عند حدهم، هؤلاء يمارسون إرهاباً في الطرقات والشوارع، ويبتلون عباد الله بطريقتهم المتهورة في القيادة، من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال بسرعة جنونية، من كل الأجناس والسيارات، يد تتحدث بالهاتف النقال، ويد أخرى على مقود السيارة، ودماغ معطل أو “مهنق”، والشاحنات لا تلتزم بالمسار المحدد لها، ولا أقول سوى “لطفك يا رب”، والأخبار عن انخفاض الحوادث التي نشرت خلال الأسابيع الماضية قد تكون بسبب الهجرة الموسمية، وإذا أردت أن تعرف مستوى إدارة شركة فانظر إلى سائقي سياراتها التي توزع منتجاتها، أو سيارات موظفيها، لتحكم عليها وعلى سلعها، ومن أطرف ما مررت به أخيراً، سائق متهور يقود سيارة تعود لمنشأة طبية، ينتهي اسمها بـ “المثالي”، صحيح… الأسماء “ببلاش”!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.