التأشيرات وملفات الجاليات

هناك مفارقات لم أتمكن من فهمها، ينطبق عليها المثل الشعبي “صبه.. احقنه”، مثل أن تقوم حملات أمنية مكثفة لملاحقة المخالفين لنظام الإقامة، وكثير منهم ممن قدموا للحج والعمرة، وفي مقابل هذا يتم فتح باب تأشيرة العمرة على مصراعيه! في تقرير صحافي نشرته “الرياض”، كشفت المتابعة لوزارة الحج أن 25 في المئة من تأشيرات العمرة يتم بيعها في السوق السوداء! وإذا علمت أن عدد المعتمرين سنوياً يصل إلى ثلاثة ملايين فيمكنك وضع ما شئت من علامات التعجب والاستفهام، 25 في المئة تباع في السوق السوداء وربما 25 في المئة من القادمين يتسربون متحصنين بالأحياء التي تسكن فيها مجموعات من جنسياتهم! يعني هذا أن الأجهزة الأمنية أمام مليون ونصف المليون شخص غير نظامي في البلاد و.. سنوياً؟ لهذا تجد أن الحملات وجهود رجال الأمن تغرف من بحر.
قال التقرير إن لدى وزارة الحج “مساعي لتغليظ العقوبة على باعة التأشيرات”، هنا ومع “المساعي” يطل برأسه ضاحكاً المثل الشعبي “يا خال أبوي حك ظهري”، وهو يطرح سؤالاً بحجم الجهود الأمنية: هل وزارة الحج قادرة على إدارة تأشيرات العمرة بعد هذه التجربة؟ 25 في المئة يعتبر كارثة! وبعيداً عن العاطفة لنسأل: من المستفيد من فتح هذا الباب طوال العام؟ ومن المتضرر؟ إن الاستفادة تنحصر في زاوية ضيقة لا تتعدى شركات العمرة وبعض الفنادق والشقق المفروشة، أما الأضرار فتحتاج إلى آلة حاسبة، ولا تنسى إضافة أضرار اقتصادية واجتماعية تغرق في بحرها إيجابيات محدودة. من الضروري أن يعاد النظر في هذا الباب المفتوح، أما باعة التأشيرات فيجب شطب مؤسساتهم والتشهير بهم، ولا أعتقد أن وزارة الحج قادرة على ذلك.
قبل أيام تعرض رجال أمن في مكة المكرمة للاعتداء من أفراد من الجالية البرماوية. وقبلها نشرت الصحف كثيراً من قضايا مشابهة. ملفات الجاليات في منطقة مكة المكرمة يجب أن تفتح وتعالج، سواء الآسيوية أو الأفريقية من المخالفين لنظام الإقامة، وما يحدث من مجموعات منهم. وأخيراً أثارت بعض الجهات الحقوقية في أميركا كلاماً عن أوضاع الجالية التشادية في السعودية. وقبلها قال سفير دولة أفريقية أخرى إن هناك ما يقارب المليون من أبناء بلده يعيشون في وضع سيئ بصورة غير نظامية في السعودية. والسلطات السعودية تتعامل مع الكثير من الجاليات بشكل إنساني، خصوصاً من تلك الدول التي عانت ظروفاً سياسية صعبة (البورماويون وغيرهم).
هذه الملفات إن لم تفتح عاجلاً وبهدوء، وتعالج بصورة جذرية، وبالتفاهم مع حكومات تلك الدول سيتم استخدامها ضد السعودية، ولن يلتفت أحد لما قامت به الحكومة السعودية من أجل هؤلاء طوال العقود الماضية.. فمتى يتم التصدي لهذه الملفات الملغومة؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.