القائمون على عمليات الإنقاذ دائماً تحت المجهر. إنهم يجتهدون للحفاظ على الحياة والسلامة، إلا أن الاجتهاد وحده لا يكفي. لا بد من توافر وتضافر عناصر عدة لتحقيق النجاح. عملُ الإنقاذ هو أبعد ما يكون عن الوظيفة. إنه شيء آخر. مسألة الوظيفة تأتي في المرتبة الثالثة أو الرابعة، والوقت والاستعداد في هذه المهنة لهما الأهمية القصوى. أما الأخطاء فثمنها فادح، بل لا يجوز الوقوع فيها.
خلال الأسبوعين الماضيين نشرت الصحف أكثر من حادثة مؤسفة وحوادث أخرى لم تُنْشَر. أستعرض على عجالة بعضاً منها، لنحاول سوياً معرفة الأخطاء، ولنصل إلى مواقع النقص والتقصير.
أوليات رجال الإنقاذ هي أسباب وأدوات السلامة، لذلك فإن خبر وفاة جنديين من جنود الدفاع المدني رحمهما الله تعالى، في الأحساء، وهما يتدربان على الغوص، وقوع هذه الحادثة المؤسفة في “عرين” رجال الإنقاذ، يثير أكثر من علامة استفهام وحسرات. فهل يتم الالتزام الصارم بشروط السلامة وتوفيرها والتدريب عليها؟ “الدفاع المدني” دائماً ما يطالب الآخرين بها، وشعاره “الوقاية هي الغاية”.
الحادثة الثانية المؤسفة هي العثور على بقايا جثث أم وأطفالها الثلاثة في سيارتهم موتى من العطش، رحمهم الله، بعد أكثر من ثلاثة أشهر من اختفائهم في الصحراء بين حائل والجوف، وهي منطقة أشبه ببحر مخيف من الرمال، وفي القيظ وشدة الحر تصبح مرعبة.
الحادثة الثالثة، وهي لم تُنْشَر: وفاة أحد المواطنين غرقاً في شاطئ “رأس الشيخ حميد”، في منطقة تبوك، أعرف تفاصيلها من أشقاء المرحوم سليمان البرقان، وهو رجل حاز على حب كل من عرفه، لبساطته وكرمه وخفة نفسه المرحة. كان سليمان يحرص على أن يروي لي معاناة المواطن البسيط، مغلفاً إياها بحكاية طريفة، حاثًّا إيّاي على الكتابة عنها، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. كان المرحوم يتنزه مع عائلته على الشاطئ وقرر السباحة واختطفته موجة عالية، واستنجد إخوانه بـ “خفر السواحل”، فوصل رجال السواحل براً! ثم أخبروا المستنجدين بهم أن قواربهم لا تستطيع الوصول إلى هذه الأماكن! والمفاجأة أن قارباً للنزهة يملكه أحد المواطنين استطاع أن يصل إلى الموقع!
ولأن اللوم لا يفيد ولا يعيد المفقودين، أكتفي ببعض الملاحظات والاقتراحات لرجال الإنقاذ، سواء “الدفاع المدني” أو “خفر السواحل”:
* مثلاً في صحراء “العليم” بين حائل والجوف، التي توفيت فيها أسرة كاملة بسبب العطش والتيه، و “شاطئ رأس الشيخ حميد”، والمناطق المشابهة، وهي كثيرة، لا بد من أن يوظف رجال من أبناء المنطقة نفسها يعرفونها حقيقة المعرفة، ليكونوا مرشدين لرجال الإنقاذ. الأهالي هم من يخبر الصحراء ورمالها، وموارد الماء فيها، والشواطئ وأمواجها، والجبال وتضاريسها الوعرة. ونسبة منهم من البسطاء، لذلك فإن توظيفهم لن يسبب إرباكاً للموازنات، وسيحقق فوائد عظيمة، بل سيسهم في توظيف الجهود بصورة أفضل، وربما يقلل التكاليف. ولضيق المساحة أكمل غداً بعون الله تعالى.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط