هل يمكن لكلمات ان تصيبك بالحكة؟، حكة الرأس أو الظهر وربما الدماغ؟ بالنسبة إليّ أصبح كثير من الكلمات يصيب بالحكاك، وكأنه تبرعم لها شعيرات ورؤوس أشواك مدببة، أصبحت مثل نوع من اللباد الكيماوي الذي تبطن به مجاري التكييف، لم أعد أتذكر اسمه، فما ان تلمسه بأصابعك حتى يبدأ مشوار الحك. حسناً كيف لكلمات أن تصيب بالحكة؟ السبب أنه بعد إفراغها من مضامينها أصبح الحك هو الوسيلة الوحيدة للبحث عن المعنى! خذ “قريباً” مثلاً، أول ما استخدمت بكثرة من قبل أهل الدعاية والإعلان، واقترنت بالأسواق، فكانت الجملة الشهيرة “قريباً في الأسواق”، ولأنها أسواق وتحتاج إلى قوة شرائية تصدق “القريباً”، ثم تحولت إلى بعض المسؤولين وصارت “قريباً” ملازمة لأحاديثهم الصحافية، ولا تصل “القريباً” هذه بسرعة وصول قريباً في الأسواق. الثانية: “الدراسات العلمية المتكاملة”، والأسوأ منها الدراسات الاستراتيجية. وكنت أضع قيمة كبيرة لمعناها. “استراتيجية” أمر كبير وضخم، تشمل تطلعات وتوقعات وخططاً بكل ما يعني هذا من جهد منظم وإلمام لسنوات المقبلة، ومن كثرة ما سمعناها ووعينا نتائجها تحولت في أذهاننا إلى بالونة كبيرة لامعة ليس في داخلها سوى فراغ يعبر عن فراغ.
كثرة “الكلام الكبير” وترداده أفقده معناه، وأصبح يعني عكس ما يراد به. ومن الكلمات التي تصيبني بالحكة “التوعية والوعي”، فعلى رغم جمال المعنى والمقصد بالتوعية، إلا أن “اتكاء” كثير من الجهات عليها عند إصابتها بالعرج، واستخدامها مشجباً و “معلاقاً” للإخفاقات، جعل الحديث عنها مضحكاً، ودليلاً على ضيق ذات اليد والعوز الإداري المدقع. وهي إما تستخدم للتزيين و “التبهير”، أو لأنها أصبحت دارجة ويكثر قولها، المعنى أنها أصبحت “حلية اجتماعية إعلامية”، يشعر المتحدث بأن كلامه ناقص إن لم يتضمن عبارات مثل تلك. ولأدلل على كلامي أروي لكم هذا الموقف عن “الشفافية”، وما أدراك “إيش لون” الشفافية. الكل يتحدث عنها ويطالب بها، بل بعضهم يتحدث عن وجودها بشكل يفاخر به أمام المجتمعات الأخرى. وقبل شهر رمضان الكريم دعيت من الإخوة في مستشفى قوى الأمن، مشكورين، إلى ندوة عن الأخطاء الطبية، ومن ضمن من استمعت إليهم قاض فاضل تحدث عن دور اللجان الطبية الشرعية في التقصي عن الأخطاء الطبية. وكان من ضمن المتحدثين خبير قدم من الولايات المتحدة. هذا الحضور “الأجنبي” دفع فضيلة الشيخ إلى القول، وهو يلتفت إلى الضيف، إن الشفافية تمارس بشكل يمثل رمزاً يفاخر به، ربما عالمياً، في اللجنة الطبية الشرعية. ثم روى للحضور قصصاً عن قضايا طبية بالتفصيل الطبي الذي وصل إلى “الناسور”! وعندما جاء دور الإعلان عن العقاب الذي حكمت به اللجنة على المقصرين، توقف عن الشفافية واكتفى بقوله إنهم “نالوا جزاءهم” ثم صمت! ولأنه لم يتح لي طرح سؤال، وأصبت بالحكة، قررت أن أمارس شفافيتي وأخرج!
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط