الأقل خاتمة

“قليل الخاتمة” عند أهل السعودية هو قليل الوفاء. ويتهم الزمن غالباً بأنه تغير وأصبح أكثر غدراًَ، فيما يقول الواقع إن الناس هي من تغير، أما الزمن فهو مستمر كما كان. صديقي “مكسور الخاطر”، بسبب عدم وفاء جهة العمل مع موظف توفي إلى رحمة الله. والسبب أنه موظف متقاعد أي لم يتوف وهو على رأس العمل. وعلى رغم أنه قضى عقوداً في تلك المنشأة، إلا أن الإدارة بخلت عليه بأمر معنوي بسيط لا يكلف شيئاً يذكر.
ووقفت أفكر فيمن هو الأقل خاتمة؟ ربما لو تلفت “حواليك” ستتهم صديقاً أو زميلاً بقلة الخاتمة، إذا ما كان عند الشدائد “يعطيك ظهره”، من دون فرصة تمكنك من “شبر” عرض أكتافه. ربما يجعل هاتفه على “خدمة موجود”، وهو عند الحاجة غير موجود. ولو أسموها خدمة “قلة الخاتمة” لما اشترك بها أحد. ربما يكون انشغل بعد أن طالت أجنحته ونما ريشه.. ولكل قليل خاتمة أسبابه، وهو مقتنع بها. قد يراها لغة العصر.
ولنترك الأفراد ونذهب إلى الجماعات والمنشآت. لأطرح سؤالاً يقول: هل تؤثر بيئة العمل وتدفع بعضهم إلى “قلة الخاتمة”؟ لو فكرنا في أعمال خدمية يحتاجها الناس، العاملون فيها هم محل الطلب والإلحاح، ألا يحق لهم أن يكونوا قليلي الخاتمة؟ خذ مثلاً موظف الخطوط الجوية، مع هذا الزحام وانقراض المقاعد وتأخر إقلاع الرحلات، ماذا يفعل أمام الإلحاح؟ وخذ مثلاً آخر، موظف البنك، فعلى رغم أنه آخر من يفكر فيه البنك! وقد يرميه عظماً بعد أن كان لحوماً شحوماً، إلا أن واجبه الوظيفي يحتم عليه جلب اكبر عدد من العملاء، فيفرد ابتسامته بحسب مقدار الرصيد، فلا فرق بينه وبين البنك الذي يعمل به، فإذا تبخر الرصيد “شانت الوجوه” وطارت فناجيل القهوة، وربما وصلت العلاقة للشرطة. فالبنوك آخر من يقدم تاريخ التعامل، وهي أسرع المستخدمين للسكاكين إذا ما طاح الجمل. خذ مثلاً شركة الاتصالات، عندما تسدد الفاتورة تأتيك رسالة تقول “نقدر تعاملك”. وهب أنك نسيت مرة من المرات التسديد لرقم من أرقامك سينتهي “التقدير” في تلك اللحظة. والأمثلة كثيرة.
ألا تعتقد معي – عزيزي القارئ – أن موظفي مثل تلك الجهات التي ذكرتها آنفاً سيتشربون “قلة الخاتمة” من بيئات أعمالهم، فإذا كان في جينات الموظف منهم “قلة خاتمة أصلية” فإنه سيجد العذر واليقين أن أسلوبه هو الصحيح، والدليل سياسة المنشأة، وإذا كان من نوع آخر فلابد أن يصاب بكثير من الأمراض النفسية، ويتحول إلى الحياد السلبي، متمثلاً في القاعدة الشهيرة “نفسي نفسي”. لكن ما رأيك بمن حواليك؟ هل غيرتهم مواقعهم  وصاروا من قليلي الخاتمة؟ لا بد أنك ستتأوه وتقول: “يالله حسن الخاتمة”.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.