أصدقاء الماء

هل نقدر الماء حقَّ قَدْرِه؟ هذا السائل الحيوي الذي جعل منه الله تعالى كل شيء حياً. الجواب قطعاً بالنفي. الغالبية منا لا تقدر الماء حق قدره، اللهم إلا عند ندرته. إذا توقف ضخ الماء عن المنزل، يفزع رب البيت إلى الصهاريج المتنقلة، فإذا كان هناك ازدحام وطوابير بدأ يشعر بالخطر. وإذا توقف ضخ الماء وأنت في منتصف الاستحمام والصابون على جسدك تقدر وقتها الماء حق قدره. أما العطش فهو السيد الذي يعلِّم البشر قيمة الماء.
غالبيتنا تتعامل مع الماء بحسب قانون الندرة. وهؤلاء لهم تقويمهم للندرة. لقد سجل في أدمغتهم أنه موجود، تعوَّدوه ينهمر من الصنبور – أو “البزبوز” إن أحببتم – فأصبح طبعاً، هذا السلوك هو المتفشي. تراه عند الاستحمام والوضوء وغسيل السيارات، على رغم كل التعليمات السماوية والأرضية التي توجه بالحفاظ على الماء، ولو كنت على نهر جارٍ.
أحد الإخوة القراء في رسالة حانقة يخبر عن السيول الاصطناعية في شوارع الأحياء قبل هطول الأمطار، جاوبت بما شاهدته في أول يوم ممطر. شيخ مسن والمطر يهطل يقوم بغسل عتبة منزله بماء نظيف من الخزان!
وعند المطر يحلو للشغالات والسائقين استخدام “اللّيَّات”. أقول الشغالات لأن كثيراً من سيدات المنازل لا يعلمن ما يحدث خارج الغرف المغلقة. أقل ما يقال لك لو تدخلت أو نصحت “وش دخلك!”، “هو من حلال أبوك!”؟ الله يرحم والدينا من النار.
جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه، هي جائزة من الصحراء التي تقدر قيمة الماء حق قدره، لمن يكد ويجتهد بحثاً ودراسة للحفاظ على الماء، وتجديد مصادره وتنظيفه من التلوث. هذه الجائزة والاهتمام بها والحرص على قيمتها العلمية وأثرها المستقبلي، تقول إن الأمير سلطان بن عبدالعزيز هو صديق  الماء الكبير، وأمين هذه الجائزة العالمية الأمير خالد بن سلطان تحدث في كلمة بمناسبة تسليم الجائزة العالمية، فقال الأمير كلمات مؤثرة، ليس فقط لاحتوائها على أرقام تحرك الضمائر، بل أشار إلى أساس المشكلة… السلوك الإنساني، فقال: “لن أملّ من دق ناقوس الخطر حول الندرة والتلوث والتصحر والصراع على المياه، كلها أخطار قديمة حديثة تزداد وتتفاقم، تعقد الاجتماعات وتنفض، وتقدم البحوث وتقترح الحلول، وتخصص الاعتمادات وتنفق الأموال، ولكن يبقى الأمر في النهاية رهن السلوك المائي للإنسان، فهو الذي يبحث ويطور ويرشد ويستهلك ويحسن الإدارة أو يفسدها”. “ينبغي التركيز في هذا السلوك تشجيعاً ودعماً، رقابة ومحاسبة، توعية وإرشاداً، تقنيناً وتشريعاً وعدم إلقاء التبعات على الهيئات والمنظمات”.
أدعو أمانة الجائزة إلى تبني “جمعية لأصدقاء الماء”، إسهاماً في توجيه ذلك السلوك. كما أدعوها إلى نشر مقتطفات من البحوث والدراسات الفائزة بالجائزة، ليعلم الجميع الفوائد التي ستتحقق خصوصاً لبلادنا. وأدعو الله تعالى أن يوفق القائمين عليها للنجاح في تحقيق أهدافها الحيوية.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.