“النيل من القضاء والقضاة”

اضطرت وزارة العدل إلى إصدار توضيح آخر عن حكم قضائي صدر في حق عدد من الجناة، قاموا باختطاف غلام وسرقة جواله في “رياض الخبراء” في القصيم. الخبر نشر في إحدى الصحف، وتناوله بعض الكتّاب. وزارة العدل ترى أن ما نشر غير دقيق، وتعتقد أن السبق الصحافي والتعاطف مع الضحية من أسباب عدم توافر الدقة في الخبر، وهنا سأورد بعضاً من وصف بيان الوزارة لحادثة الاختطاف والسرقة، إذ قال: “اولاً: إن ما تم نشره لا يمثل الحقيقة كاملة، حيث تمت صياغة الخبر بطريقة تثير المشاعر وتحرك العواطف من دون مبرر واضح.
ثانياً: لقد تقدم والد الغلام بدعوى ضد ثلاثة شبان، اتهمهم فيها بخطف ابنه البالغ من العمر 13 عاماً، وأخذوا جواله الجديد ولم يمسوه بأذى، وبعد خمسة أيام ادعى ولي الغلام أنهم قاموا بفعل الفاحشة بابنه.
ثالثاً: بعد حضور المتهمين أمام القضاء… تم النظر في القضية بحسب الوجه الشرعي والأنظمة المرعية، ولم يثبت في جميع مراحل التحقيق وأمام القضاء قيام المدعى عليهم بفعل الفاحشة في الغلام، وإنما كان اعترافهم أن قصدهم سرقة جهاز الجوال، حيث كانوا – كما ذكروا – بأمسّ الحاجة للمال، فباعوا جهاز الجوال وتقاسموا ثمنه” انتهى.
من المعروف أن الطفل الذي يتعرض لاغتصاب سيتردد في إخبار ذويه، بسبب جسامة الأمر، وقد يحتاج إلى أيام، وعلاج، للقدرة على البوح. هذا أمر معلوم. ومن المفترض أن القاضي الذي نظر القضية وضع هذا الأمر في الاعتبار. أيضاً من الصعوبة بمكان على أب أن يدعي بمثل ذلك في حق ابنه. هذه نقاط لا بد من الإشارة إليها. وهنا نعود إلى البيان، الذي قال إنه تم النظر في القضية بحسب الوجه الشرعي والأنظمة المرعية. لو أن الوزارة أخبرتنا. هل من بينها التحقق من عدم صحة ادعاء الأب من خلال تقرير طبي، لكان الإيضاح قاطعاً.
وعلى رغم أنني لست ممن تعرض لهذه القضية، إلا أن اهتمامي بتكامل صورة النشر للعموم، سواء في الأخبار أم البيانات اللاحقة، دفعني لملاحظة إشارة وردت في البيان كالآتي: “وقد استغل بعض الكتّاب في عدد من الصحف هذا الخبر غير الدقيق في مضمونه للنيل من القضاء والقضاة، والتعرض لمكانتهم العلمية والشخصية”.
لا أحد، في تقديري، يريد النيل من القضاء والقضاة أو التعرض لمكانتهم العلمية أو الشخصية، مع أنهم بشر غير معصومين. كل ما يراد هو تحسين القضاء، وتطوير أداء القضاة وتعاملهم مع الخصوم، وجعل هذه الركيزة الحيوية مواكبة للحاجات، لا متأخرة عنها بمراحل. أما رجوع الصحف لإدارة في الوزارة للتحقق، فهذا إجراء بيروقراطي معطل، بدلاً من ذلك يجب الإسراع في تعيين متحدث رسمي باسم الوزارة، على أن يرد على الإعلاميين بالسرعة المطلوبة. أما الحل الجذري فهو الإسراع في سد النقص والتطوير.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.