من الطُّرَف المنسوبة إلى الشخصية التاريخية “جحا” أنه شاهد جمعاً من الناس، فدفعه فضوله لمعرفة سبب التجمع، إلا أن الازدحام منعه من ذلك، فلم يستطع الوصول لمركز التجمهر. حارَ ودارَ ثم فكّر في خدعة بسيطة. خطر في باله الساخر أن يفرقهم، ليعلم ما لديهم، فما كان منه إلا أن صرّح بخبر كاذب. أعلن “جحا” للمجتمعين عن وليمة تقام في مكان آخر، تراكض الحشدُ إلى موقع الوليمة المزعومة، وتركوا مسرح التجمع فارغاً إلا مِنْ جحا، وحيداً فكّر جحا أنه من غير المعقول أن يصدقه كل هؤلاء؟ إذاً هناك وليمة حقيقة! فكان أنْ لَحِقَ بهم راكضاً.
لم يكن لدى “جحا” وسائل إعلام ولا موظفون متخصصون ولا غير متخصصين، لا كبار ولا صغار. كانت قدراته فردية، واستطاع دفع مجموعة من الناس إلى وليمة لم يعد إليها، بل ليست هي موجودةً أصلاً سوى في ذهنه الشخصي. في القصة يمكن وضع “طفرة اقتصادية”، بدلاً من “وليمة”. يمكنك إضافة الأحاديث عن المشاريع العملاقة وفوائض دخل معلنة سيتبعها إنفاق حكومي، أضف إلى ذلك أدوات مهمة تفوق أدوات جحا الفقيرة بمراحل، بل هي أكثر صدقية منه، بسبب وظيفتها وغَرَض وجودها، لكنها صدقية ستقف على قدميها إلى حين. وسائل إعلام رددت تصريحات صحافية لمعنيّين في الشأن الاقتصادي والمالي، ومعهم موظفون قالوا ما قالوا عن متانة الاقتصاد والنمو المتوقع، والأهم هو
إعلان عن القدرات والاستعدادات الكبيرة لمواجهة أي انخفاض في سوق المال السعودية، والنتيجة أنْ لا أحد ممن قالوا إنهم سيواجهون أي خلل في سوق المال وقف للمواجهة. مَنْ لم يواجه الانخفاض لن يواجه الانهيار، وما حصل هو “الهروب الكبير” من وسائل الإعلام التي استُخدمتْ في بداية الدعوة للوليمة، ثم يأتي الظهور متململاً بالتقطير من دون طعم ولا لون ولا رائحة سوى رائحة العَجْز الفاضح.
هذا تبسيط لما حصل في سوق المال السعودية. المعنى أن الجهاز الرسمي المعني بالشأن الاقتصادي والمالي معنيٌّ ومسؤول مسؤولية مباشرة، سواء في الضغط على دواسة “الفرامل” في الوقت المناسب، أم التخفيف، لئلاّ يتحول حادث بسيط إلى حوادث جماعية، وهو ما حصل فعلاً. بالطبع لا نعلم هل ذهب جحا إلى الوليمة راكضاً أم ماشياً، أم أنه لم يذهب أصلاً، فهذا لا يعرفه إلا جحا نفسه، والرواية هي روايته.
وللمساعدة في التخفيف، ومن باب “اضحك عليها تنجلي”، أنقل نصائح وردتني من أحد المتضررين، تبدأ بسؤال يقول: ماذا تفعل إذا تشنّج أحد المتضررين من الأسهم؟ فوراً أبعد عنه أي لون أحمر، ثم على عَجَل قُمْ بوضع نظارة خضراء على عينيه لا تمل من الصراخ في أذنه بقولك “السوق ارتدت.. السوق ارتدت”! قُبْلة الحياة لكنها من طريق الأذن! هذه النصائح قدمت لكم برعاية الهلال “الأخضر”!
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط